وسمعت بأذني فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما جاء به واشتد عليه واجتمعت الأنصار فقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن يضرب رسول الله عليه الصلاة والسلام هلال بن أمية وتبطل شهادته في المسلمين فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله تعالى لي منها مخرجا فقال: يا رسول الله إني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به والله تعالى يعلم إني لصادق فو الله إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل على رسول الله عليه الصلاة والسلام الوحي وكان إذا نزل عليه عليه الصلاة والسلام الوحي عرفوا ذلك في تربد جلده فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي فنزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ الآية فسري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أبشر يا هلال قد كنت أرجو ذلك من ربي، وقال عليه الصلاة والسلام أرسلوا إليها فجاءت فتلاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهما وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال:
هلال والله يا رسول الله لقد صدقت عليها فقالت: كذب فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لاعنوا بينهما» الحديث
، ومنه وكذا من رواية أخرى ذكرها البخاري في صحيحه والترمذي: وابن ماجة يعلم أن قصة هلال سبب نزول الآية، وقيل: نزلت في عاصم بن عدي، وقيل: في عويمر بن نصر العجلاني وفي صحيح البخاري ما يشهد له بل قال السهيلي إن هذا هو الصحيح ونسب غيره للخطأ، والمشهور كما في البحر أن نازلة هلال قبل نازلة عويمر، وأخرج أبو يعلى. وابن مردويه عن أنس أنه قال: لأول لعان كان في الإسلام ما وقع بين هلال بن أمية وزوجته، ونقل الخفاجي هنا عن السبكي إشكالا وأنه قال: إنه إشكال صعب وارد على آية اللعان والسرقة والزنا وهو أن ما تضمن الشرط نص في العلية مع الفاء ومحتمل لها بدونها ولتنزيله منزلة الشرط يكون ما تضمنه من الحدث مستقبلا لا ماضيا فلا ينسحب حكمه على ما قبله ولا يشمل ما قبله من سبب النزول، وتعقبه بأنه لا صعوبة فيه بل هو أسهل من شرب الماء البارد في حر الصيف لأن هذا وأمثاله معناه إن أردتم معرفة هذا الحكم فهو كذا فالمستقبل معرفة حكمه وتنفيذه وهو مستقبل في سبب النزول وغيره، والقرينة على أن المراد هذا أنها نزلت في أمر ماض أريد بين حكمه ولذا قالوا: دخول سبب النزول قطعي.
ولا حاجة إلى القول بأن الشرط قد يدخل على الماضي ولا أن ما تضمن الشرط لا يلزمه مساواته لصريحه من كل وجه ولا أن دخول ما ذكر بدلالة النص لفساده هنا انتهى، ثم إن المراد هنا نظير ما مر والذين يرمون بالزنا أزواجهم المدخول بهن وغير المدخول بهن وكذا المعتدات في طلاق رجعي وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ أربعة يشهدون بما رموهن به من الزنا. وقرىء «تكن» بالتاء الفوقية وقراءة الجمهور أفصح إِلَّا أَنْفُسُهُمْ بدل من شُهَداءُ لأن الكلام غير موجب والمختار فيه الإبدال أو إلا بمعنى غير صفة لشهداء ظهر إعرابها على ما بعدها لكونها على صورة الحرف كما قالوا في أل الموصولة الداخلة على أسماء الفاعلين مثلا، وفي جعلهم من جملة الشهداء إيذان كما قيل من أول الأمر بعدم إلغاء قولهم بالمرة ونظمه في سلك الشهادة وبذلك ازداد حسن إضافة الشهادة إليهم في قوله تعالى:
فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أي شهادة كل واحد منهم وهو مبتدأ وقوله سبحانه: أَرْبَعُ شَهاداتٍ خبره أي فشهادتهم المشروعة أربع شهادات بِاللَّهِ متعلق بشهادات، وجوز بعضهم تعلقه بشهادة.
وتعقب بأنه يلزم حينئذ الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي وهو الخبر، وأنت تعلم أن في كون الخبر أجنبيا كلاما وأن بعض النحويين أجاز الفصل مطلقا وبعضهم أجازه فيما إذا كان المعمول ظرفا كما هنا.
وقرأ الأكثر «أربع» بالنصب على المصدرية والعامل فيه «شهادة» وهي خبر مبتدأ محذوف أي فالواجب شهادة أو مبتدأ خبره محذوف أي فعليهم شهادة أو فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله واجبة أو كافية، ولا خلاف في جواز تعلق الجار على هذه القراءة بكل من الشهادة والشهادات وإنما الخلاف في الأولى إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ أي فيما


الصفحة التالية
Icon