المنزلة في ذلك على ما سمعت آنفا عن عائشة رضي الله تعالى عنها عشر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال: نزلت ثماني عشرة آية متواليات بتكذيب من قذف عائشة وبراءتها. وأخرج الطبراني عن الحكم بن عتيبة قال: إنه سبحانه أنزل فيها خمس عشرة آية من سورة النور ثم قرأ حتى بلغ الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ [النور: ٢٦] وكأن الخلاف مبني على الخلاف في رؤوس الآي، وفي كتاب العدد للداني ما يوافق المروي عن ابن جبير.
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أي من الذين جاؤوا بالإفك مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ أي جزاء ما اكتسب وذلك بقدر ما خاض فيه فإن بعضهم تكلم وبعضهم ضحك كالمعجب الراضي بما سمع وبعضهم أكثر وبعضهم أقل.
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ بكسر الكاف. وقرأ الحسن والزهري وأبو رجاء ومجاهد والأعمش وأبو البرهسم وحميد وابن أبي عبلة وسفيان الثوري ويزيد بن قطيب ويعقوب والزعفراني وابن مقسم وعمرة بنت عبد الرحمن وسورة عن الكسائي ومحبوب عن أبي عمرو «كبره» بضم الكاف وهو ومكسورها مصدران لكبر الشيء عظم ومعناهما واحد، وقيل: الكبر بالضم المعظم وبالكسر البداءة بالشيء، وقيل: الإثم، والجمهور على الأول أي والذي تحمل معظمه مِنْهُمْ أي من الجائين به لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط، وفي التعبير بالموصول وتكرير الإسناد وتنكير العذاب ووصفه بالعظم من تهويل الخطب ما لا يخفى، والمراد بالذي تولى كبره كما في صحيح البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها عبد الله بن أبي عليه اللعنة وعلى ذلك أكثر المحدثين.
وكان لعنه الله تعالى يجمع الناس عنده ويذكر لهم ما يذكر من الإفك وهو أول من اختلقه وأشاعه لإمعانه في عداوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعذابه في الآخرة بعد جعله في الدرك الأسفل من النار لا يقدر قدره إلا الله عز وجل، وأما في الدنيا فوسمه بميسم الذل وإظهار نفاقه على رؤوس الأشهاد وحده حدين على ما أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من أنه صلّى الله عليه وسلّم بعد أن نزلت الآيات خرج إلى المسجد فدعا أبا عبيدة بن الجراح فجمع الناس ثم تلا عليهم ما أنزل الله تعالى من البراءة لعائشة وبعث إلى عبد الله بن أبيّ فجيء به فضربه عليه الصلاة والسلام حدين وبعث إلى حسان ومسطح وحمنة فضربوا ضربا وجيعا ووجئوا في رقابهم، وقيل: حد حدا واحدا، فقد أخرج الطبراني عن ابن عباس أنه فسر العذاب في الدنيا بجلد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه ثمانين جلدة وعذابه في الآخرة بمصيره إلى النار، وقيل: إنه لم يحد أصلا لأنه لم يقر ولم يلتزم إقامة البينة عليه تأخيرا لجزائه إلى يوم القيامة كما أنه لم يلتزم إقامة البينة على نفاقه وصدور ما يوجب قتله لذلك وفيه نظر.
وزعم بعضهم أنه لم يحد مسطح، وآخرون أنه لم يحد أحدا ممن جاء بالإفك إذ لم يكن إقرار ولم يلتزم إقامة بينة. وفي البحر أن المشهور حد حسان ومسطح وحمنة، وقد أخرجه البزار وابن مردويه بسند حسن عن أبي هريرة، وقد جاء ذلك في أبيات ذكرها ابن هشام في ملخص السيرة لابن إسحاق وهي:

لقد ذاق حسان الذي كان أهله وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح
تعاطوا برجم الغيب أمر نبيهم وسخطة ذي العرش الكريم فأنزحوا
وآذوا رسول الله فيها فجللوا مخازي بغي يمحوها وفضحوا
وصب عليهم محصدات كأنها شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح
وقيل: الذي تولى كبره حسان واستدل بما في صحيح البخاري أيضا عن مسروق قال: دخل حسان على عائشة فشبب وقال: حصان «البيت» قالت: لكنك لست كذلك قلت: تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله


الصفحة التالية
Icon