النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة»
وبدأ سبحانه بالإرشاد إلى غض البصر لما في ذلك من سد باب الشر فإن النظر باب إلى كثير من الشرور وهو بريد الزنا وراء الفجور، وقال بعضهم:
كل الحوادث مبداها من النظر | ومعظم النار من مستصغر الشرر |
والمرء ما دام ذا عين يقلبها | في أعين العين موقوف على الخطر |
كم نظرة فعلت في قلب فاعلها | فعل السهام بلا قوس ولا وتر |
يسر ناظره ما ضر خاطره | لا مرحبا بسرور عاد بالضرر |
فقد أخرج ابن المنذر وجماعة عن أبي العالية أنه قال: كل آية يذكر فيها حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية في النور وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ فهو أن لا يراها أحد، وروي نحوه عن أبي زيد، والستر مأمور به مطلقا.
وتعقب بأنه يجوز الكشف في مواضع فلو جيء بمن لكان فيه إشارة إلى ذلك، وتفسير حفظ الفروج هنا خاصة بسترها قيل لا يخلو عن بعد لمخالفته لما وقع في القرآن الكريم كما اعترف به من فسره بما ذكر.
واختار بعض المدققين أن المراد من ذلك حفظ الفروج عن الإفضاء إلى ما لا يحل وحفظها عن الإبداء لأن الحفظ لعدم ذكر صلته يتناول القسمين، وذكر أن الحفظ عن الإبداء يستلزم الآخر من وجهين عدم خلوه عن الإبداء عادة وكون الحفظ عن الإبداء بل الأمر بالتستر مطلقا للحفظ عن الإفضاء، ومن هنا تعلم أن من ضعف ما روي عن أبي العالية. وابن زيد بعدم تعرض الآية عليه بحفظ الفرج عن الزنا لم يصب المحز.
ذلِكَ أي ما ذكر من الغض والحفظ أَزْكى لَهُمْ أي أطهر من دنس الريبة أو انفع من حيث الدين والدنيا فإن النظر بريد الزنا وفيه من المضار الدينية أو الدنيوية ما لا يخفى وأفعل للمبالغة دون التفضيل.
وجوز أن تكون للتفضيل على معنى أزكى من كل شيء نافع أو مبعد عن الريبة، وقيل على معنى أنه أنفع من الزنا والنظر الحرام فإنهم يتوهمون لذة ذلك نفعا إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ لا يخفى عليه شيء مما يصدر عنهم من الأفاعيل التي من جملتها إجالة النظر واستعمال سائر الحواس وتحريك الجوارح وما يقصدون بذلك فليكونوا على حذر منه عز وجل في كل ما يأتون وما يذرون وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ فلا ينظرن إلى ما لا يحل لهن النظر إليه كالعورات من الرجال والنساء وهي ما بين السرة والركبة، وفي الزواجر لابن حجر المكي كما يحرم نظر