القائل هو النضر والجمع لمشايعة الباقين له في ذلك، ومن خص ضمير اتَّخَذُوا بمشركي العرب وجعل الموصول هنا عبارة عنهم كلهم جعل وضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة والإيذان بأن ما تفوهوا به كفر عظيم، وفي كلمة هَذا حط لرتبة المشار إليه أي قالوا ما هذا إلا كذب مصروف عن وجهه افْتَراهُ يريدون أنه اخترعه رسولا لله صلى الله تعالى عليه وسلم ولم ينزل عليه الصلاة والسلام وَأَعانَهُ عَلَيْهِ أي على افترائه واختراعه (افترائه) أو على الإفك قَوْمٌ آخَرُونَ يعنون اليهود بأن يلقوا إليه صلى الله تعالى عليه وسلم أخبار الأمم الدارجة وهو عليه الصلاة والسلام يعبر عنها بعبارته، وقيل: هم عداس، وقيل: عائش مولى حويطبين عبد العزى ويسار مولى العلاء بن الحضرمي وجبر مولى عامر وكانوا كتابيين يقرؤون التوراة أسلموا وكان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم يتعهدهم فقيل ما قيل، وقال المبرد: عنوا بقوم آخرين المؤمنين لأن آخر لا يكون إلا من جنس الأول، وفيه أن الاشتراك في الوصف غير لازم ألا ترى قوله تعالى: فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ [آل عمران: ١٣] فَقَدْ جاؤُ أي الذين كفروا كما هو الظاهر ظُلْماً منصوب بجاءوا فإن جاء وأتى يستعملان في معنى فعل فيتعديان تعديته كما قال الكسائي، واختار هذا الوجه الطبرسي وأنشد قول طرفة:
على غير ذنب جئته غير أنني | نشدت فلم أغفل حمولة معبد |
ضمير جاؤُ عائد على قوم آخرين، والجملة من مقول الكفار وأرادوا أن أولئك المعينين جاؤوا ظلما بإعانتهم وزورا بما أعانوا به وهو كما ترى.
وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ بعد ما جعلوا الحق الذي لا محيد عنه إفكا مختلقا بإعانة البشر بينوا على زعمهم الفاسد كيفية الإعانة، وتقدم الكلام في أساطير وهي خبر مبتدأ محذوف أي هذه أو هو أو هي أساطير، وقوله تعالى:
اكْتَتَبَها خبر ثان، وقيل: حال بتقدير قد. وتعقب بأن عامل الحال إذا كان معنويا لا يجوز حذفه كما في المغني، وفيه أنه غير مسلم كما في شرحه، وجوز أن يكون أَساطِيرُ مبتدأ وجملة اكْتَتَبَها الخبر ومرادهم كتبها لنفسه والاسناد مجازي كما في بنى الأمير المدينة، والمراد أمر بكتابتها أو يقال حقيقة اكتتب أمر بالكتابة فقد شاع افتعل بهذا المعنى كاحتجم وافتصد إذا أمر بالحجامة والفصد، وقيل قالوا ذلك لظنهم أنه يكتب حقيقة أو لمحض الافتراء عليه عليه الصلاة والسلام بناء على علمهم أنه لم يكن يكتب صلّى الله عليه وسلم، وقيل: مرادهم جمعها من كتب الشيء جمعه والجمهور على الأول.