إدغام وهي قراءة ابن عامر وابن كثير ومجاهد وحميد وأبي بكر، والعطف على هذه القراءة واحتمال الإدغام عند ابن عطية على المعنى في جَعَلَ لأن جواب الشرط موضع استئناف ألا يرى أن الجملة من المبتدأ والخبر قد تقع موقع جواب الشرط. وقال الزمخشري: هو معطوف على جَعَلَ لأن الشرط إذا كان ماضيا جاز في جوابه الجزم والرفع كقول زهير في مدح هرم بن سنان:

وإن أتاه خليل (١) يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم
ومذهب سيبويه أن الجواب في مثل ذلك محذوف وأن المضارع المرفوع على نية التقديم، وذهب الكوفيون، والمبرد إلى أنه هو الجواب وأنه على حذف الفاء والتركيب عند الجمهور فصيح سائغ في النثر كالشعر، وحكى أبو حيان عن بعض أصحابه أنه لا يجوز إلا في الضرورة إذ لم يجىء إلا في الشعر، وتمام الكلام في تحقيق المذاهب في محله، وقال الحوفي وأبو البقاء: الرفع على الاستئناف قيل وهو استئناف نحوي، والكلام وعد له صلّى الله عليه وسلم بجعل تلك القصور في الآخرة ولذا عدل عن الماضي إلى المضارع الدال على الاستقبال، وقيل: هو استئناف بياني كان قائلا يقول: كيف الحال في الآخرة؟ فقيل: يجعل لك فيها قصورا، وجعل بعضهم على الاستئناف هذا الجعل في الدنيا أيضا على معنى إن شاء جعل لك في الدنيا جنات ويجعل لك في تلك الجنات قصورا إن تحققت الشرطية وهو كما ترى، وقيل: الرفع بالعطف على تَجْرِي صفة بتقدير ويجعل فيها أي الجنات، وليس بشيء، وقرأ عبيد الله بن موسى وطلحة بن سليمان «ويجعل» بالنصب على إضمار أن، ووجهه على ما نقل عن السيرافي أن الشرط لما كان غير مجزوم أشبه الاستفهام، وقيل: لما كان غير واقع حال المشارطة أشبه النفي، وقد ذكر النصب بعده سيبويه، وقال إنه ضعيف، وقيل: الفعل مرفوع وفتح لامه اتباعا للام لَكَ نظير ما قيل في قوله:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أوقال
من أنه فتح راء غير اتباعا لهمزة أن وهو أحد وجهين في البيت، ونظير الآية في هذه القراءات قول النابغة:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش أجبّ الظهر ليس له سنام
فإنه يروى في نأخذ الجزم والرفع والنصب بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ انتقال إلى حكاية نوع آخر من أباطيلهم متعلق بأمر المعاد وما قبل كان متعلقا بأمر التوحيد وأمر النبوة ولا يضر في ذلك العود إلى ما يتعلق بالكلام السابق، واختلاف أساليب الحكاية لاختلاف المحكي، وما ألطف تصدير حكاية ما يتعلق بالآخرة ببل الانتقالية. وقوله تعالى:
وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إلخ لبيان ما لهم في الآخرة بسببه أي هيأنا لهم نارا عظيمة شديدة الاشتعال شأنها كيت وكيت بسبب تكذيبهم بها على ما يشعر به وضع الموصول موضع ضمير هم أو لكل من كذب بها كائنا من كان وهم داخلون في ذلك دخولا أوليا، ووضع الساعة موضع ضميرها للمبالغة في التشنيع، وهذا الاعتداد وإن كان ليس بسبب تكذيبهم بها خاصة بل يشاركه في السببية له ارتكابهم الأباطيل في أمر التوحيد وأمر النبوة إلا أنه لما كانت الساعة نفسها هي العلة القريبة لدخولهم السعير أشير بما ذكر إلى سببية التكذيب بها لدخولها ولم يتعرض للإشارة إلى سببية شيء آخر وقيل إن من كذب بالساعة صار كالاسم لأولئك المشركين والمكذبين برسول الله صلّى الله عليه وسلم والمكذبين بالساعة أي الجامعين للأوصاف الثلاثة لأن التكذيب بها أخص صفاتهم القبيحة وأكثر دورانا على ألسنتهم
(١) من الخلة بالفتح وهو الفقر اهـ منه. [.....]


الصفحة التالية
Icon