واستكثاره فمن التسويلات الشيطانية وأن اللائق بأصحاب البصيرة أن يعدوا تلك المدة قصيرة فيشمروا الذيل ليوم يكشف فيه عن ساق ويكون إلى الله تعالى شأنه المساق، وقول شيخ الإسلام في الاعتراض على ما قيل إنه لا سبيل أي اعتباره هاهنا لأن قربه بالنسبة إليه تعالى مما لا يتصور فيه التجدد والتفاوت حتما وإنما اعتباره في قوله تعالى لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى: ١٧] ونظائره مما لا دلالة فيه على الحدوث مبني على حمل القرب عنده تعالى على القرب إليه تعالى بمعنى حضور ذلك في علمه الأزلي فإنه الذي لا يجري فيه التفاوت حتما وأما قرب الأشياء بعضها إلى بعض زمانا أو مكانا فلا ريب أنه يتجدد تعلقات علمه سبحانه بذلك فيعلمه على ما هو عليه مع كون صفة العلم نفسها قديمة على ما تقرر في موضعه اهـ. واختار بعضهم أن المراد بالعندية ما سمعته أولا وهو معنى شائع في الاستعمال وجعل التجدد باعتبار التعلق كما قيل بذلك في قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ [الكهف: ١٢] الآية، وقيل المراد من اقترابه تحقق وقوعه لا محالة فإن كل آت قريب والبعيد ما وقع ومضى ولذا قيل:
فلا زال ما تهواه أقرب من غد | ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس |
وتقديم الجار والمجرور على الفاعل كما صرح به شيخ الإسلام للمسارعة إلى إدخال الروعة فإن نسبة الاقتراب إلى المشركين من أول الأمر يسوؤهم ويورثهم رهبة وانزعاجا من المقترب، واعترض بأن هؤلاء المشركين لا يحصل لهم الترويع والانزعاج لما ستسمع من غفلتهم وإعراضهم وعدم اعتدادهم بالآيات النازلة عليهم فكيف يتأتى تعجيل المساءة، وأجيب بأن ذلك لا يقتضي أن لا يزعجهم الإنذار والتذكير ولا يروعهم التخويف والتحذير لجواز أن يختلج في ذهنهم احتمال الصدق ولو مرجوحا فيحصل لهم الخوف والاشقاق.
وأيد بما ذكره بعض المفسرين من أنه لما نزلت اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر: ١] قال الكفار فيما بينهم: إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما تعملون حتى ننظر ما هو كائن فلما تأخرت قالوا: ما نرى شيئا فنزلت اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ فاشفقوا فانظروا قربها فلما امتدت الأيام قالوا: يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به انتهى.
وقال بعضهم في بيان ذلك: إن الاقتراب منبىء عن التوجه والإقبال نحو شيء فإذا قيل اقترب أشعر أن هناك أمرا مقبلا على شيء طالبا له من غير دلالة على خصوصية المقترب منه فإذا قيل بعد ذلك لِلنَّاسِ دل على أن ذلك الأمر طالب لهم مقبل عليهم وهم هاربون منه فأفاد أن المقترب بما يسوؤهم فيحصل لهم الخوف والاضطراب قبل ذكر الحساب بخلاف ما إذا قيل اقترب الحساب للناس فإن كون إقبال الحساب نحوهم لا يفهم على ذلك التقدير إلا بعد ذكر للناس فتحقق فائدة التعجيل في التقديم مما لا شبهة فيه بل فيه فائدة زائدة وهي ذهاب الوهم في تعيين ذلك الأمر الهائل إلى كل مذهب إلى أن يذكر الفاعل، ويمكن أيضا أن يقال في وجه تعجيل التهويل: إن جريان عادته الكريمة صلّى الله عليه وسلّم على إنذار المشركين وتحذيرهم وبيان ما يزعجهم يدل على أن ما بين اقترابه منهم شيء سيىء هائل فإذا قدم الجار يحصل التخويف حيث يعلم من أول الأمر أن الكلام في حق المشركين الجاري عادته الكريمة عليه الصلاة والسلام على تحذيرهم بخلاف ما إذا قدم الفاعل حيث لا يعلم المقترب منه إلى أن يذكر الجار والمجرور والقرينة المذكورة لا تدل على تعيين المقترب كما تدل على تعيين المقترب إذ من المعلوم من عادته الكريمة صلّى الله عليه وسلّم أنه إذا تكلم في شأنهم يتكلم غالبا بما يسوؤهم لا أنه عليه الصلاة والسلام يتكلم في غالب أحواله بما يسؤوهم وفرق بين العادتين، ولا يقدح