العلم والإفادة أقرأ الناس نيفاً وأربعين سنة بجامع دمشق عند رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام وقصده الطلبة من الآفاق وازدحموا عليه وتنافسوا في الأخذ. قال الحافظ أبو عبد الله في تاريخ الإسلام قرأ عليه خلق كثير إلى الغاية ولا أعلم أحداً من القراء في الدنيا أكثر أصحاباً منه. وممن قرأ القراءات السبع أبو الفتح محمد بن علي الأنصاري والحافظ أبو شامة والقاضي عبد السلام الزواوي والرشيد أبو بكر بن أبي الدر والتقي يعقوب الجرايدي وغيرهم ممن يخطئهم العد وألف الكثير من الكتب منها: شرح الشاطبية وسماه فتح الوصيد وهو أول من شرحها بل هو - والله أعلم - سبب شهرتها في الآفاق وإليه أشاد الشاطبي بقوله: "يقيض الله لها فتى يشرحها" وشرح الرائية وسماه "الوسيلة إلى شرح العقيلة" وله كتاب جمال القراء وكمال الإقراء فيه عدة مصنفات وهو من أجل الكتب وكتاب المفضل في شرح المفصل وهو كتاب نفيس في أربعة أسفار وكتاب القصائد السبعة في مدح سيد الخلق سيدنا محمد ﷺ شرحه الشيخ أبو شامة وغيرها. قال أبو شامة: وفي ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة توفي شيخنا علم الدين علامة زمانه وشيخ أوانه بمنزله بالتربة الصالحية ودفن بقاسيون وكانت على جنازته هيبة وجلالة وإخبات ومنه استفدت علوماً جمة كالقراءات والتفسير وفنون العربية وصحبته من شعبان سنة أربع عشرة وستمائة وهو عني راض رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
أهـ ملخصاً من غاية النهاية الجزء الأول ص (٥٦٨ - ٥٧١) تقدم.
٩٤- الإمام أبو الحسن بن بري.
الإمام أبو الحسن بن بري:
هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد بن الحسين الرباطي المعروف بابن بري. كان عالماً فاضلاً عارفاً بالقراءات وتوجيهها والتفسير والفقه واللغة وغيرها. وولي كتابة الخلافة بالمغرب وله تآليف عديدة منها: "الدر اللوامع" نظمه في أصل مقرأ الإمام نافع وغيره وهذا النظم المبارك تعاقب عليه شراح كثيرون من بعده وهذا دليل على القبول. ولد بتازة في حدود سنة ستين وستمائة وتوفي سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة للهجرة وقيل قبل ذلك بعام رحمه الله تعالى.