٣- الفصل للتفصيل بعد الإجمال:
في آية الحث على الحج ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ ١ يقول: في هذا الكلام أنواع من التوكيد والتشديد منها قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ يعني أنه حق واجب لله في رقاب الناس لا ينفكون عن أدائه والخروج من عهدته، ومنها أنه ذكر الناس ثم أبدل عنه من استطاع إليه سبيلا، وفيه ضربان من التأكيد، أحدهما أن الإبدال تثنية للمراد، وتكرير له، والثاني: أن الإيضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال، إيراد له في صورتين مختلفتين٢، ومثله قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ ٣ بالغ في تنبيهم على نعم الله حيث أجملها ثم فصلها مستشهدا بعلمهم، وذلك حين قال: ﴿أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ﴾ ثم عددها عليهم، وعرفهم المنعم بتعديد ما يعلمون من نعمته، وأنه كما قدر أن يتفضل عليكم بهذه النعمة فهو قادر على الثواب والعقاب، فاتقوه"٤، وأيضا في قوله تعالى: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَا هُنَا آَمِنِينَ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هضِيمٌ﴾ ٥ ﴿فِي مَا هَا هُنَا﴾ في الذي استقر في هذا المكان من النعيم ثم فسره بقوله: ﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ وهذا أيضا إجمال ثم تفصيل"٦.

١ آل عمران: ٩٧.
٢ الكشاف ١/ ٤٤٨.
٣ الشعراء: ١٣٢-١٣٤.
٤ الكشاف ٣/ ١٢٢.
٥ الشعراء: ١٤٦-١٤٨.
٦ الكشاف ٣/ ١٢٣.


الصفحة التالية
Icon