يكونون فيها؟ فقيل: هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون١، ومثله قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ ٢، و ﴿رَضُوا﴾ استئناف، كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء؟ فقيل: رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف٣.
وكذلك قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾، و ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ كلام مستأنف، كأنهم لما شبهت حالهم بحال المستوقد الذي طفئت ناره، اعترض سائل فقال: ما بالهم أشبهت حالهم حال هذا المستوقد؟ فقيل له: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ ٥.
"ب" الاستئناف للتعليل:
في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ ٦.
يقول الزمخشري يجوز أن يكون ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ﴾ صفة للبطانة وكذلك ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ﴾ كأنه قيل: بطانة غير آليكم خبالا بادية بغضاؤهم -وأما وقد بينا، فكلام مبتدأ، وأحسن منه أن تكون مستأنفات كلها على وجه التعليل، للنهي عن اتخاذهم بطانة"٧. ومثله قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ

١ الكشاف ١/ ٤٥٤.
٢ التوبة: ٩٣.
٣ الكشاف ٢/ ٢٠٨.
٤ البقرة: ١٧.
٥ الكشاف ١/ ١٩٩، ومن أمثلة قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: ١٤]، والكشاف ١/ ١٨٦، وقوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ﴾ [البقرة: ١٩]، الكشاف ١/ ٢١٦.
٦ آل عمران: ١١٨.
٧ الكشاف ١/ ٤٥٨.


الصفحة التالية
Icon