التقريع، وتثنيته بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها، وإنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة١.
٩- الوصل والنسق القرآني:
يلتفت الزمخشري إلى ظاهرة أسلوبية دقيقة في نظم القرآن، يلتفت إلى الجملة التي تأتي في نسق مفصولة عما قبلها من جمل، وتأتي في نسق آخر، وقد وصلت بما قبلها، وذلك لأن المعنى قد لا يتسق إلا بالوصل أو لا يتسق إلا بالفصل، فما الفصل والوصل إلا وسيلة فنية لتحقيق أهداف المعنى المقصود.
في سورة الحج ترد جملة ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ ٢، ثم تمضي ثلاثون آية وتأتي نفس الجملة وهي مفصولة ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ ٣، ويتساءل الزمخشري: لم جاءت نظيرة هذه الآية معطوفة بالواو وقد نزعت عن هذه؟ فيجيب: لأن تلك وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الآي الواردة في أمر الناسك فعطفت على أخواتها٤، وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفا٥.
ومثال آخر موصول بالفاء مرة ومفصول عنها أخرى:
في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ٦. وفي نفس السورة جاءت ﴿لَهُمْ
٢ الحج: ٣٤.
٣ الحج: ٦٧.
٤ يقصد قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ... ﴾ من ٣٠-٣٣.
٥ يقصد قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ، لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ [الحج: ٦٥]، والكشاف ٣/ ٢١.
٦ البقرة: ٢٦٢.