هو الْحَكم وهو الْحُكم، والذوق السليم هو الأداة، والخبرة والمران هما الوسيلة الْمُعينة، والتقليد البليد لا محل له في مجال الإبداع.
ومع ترتيب الجمل يلتفت الزمخشري إلى الروائع، وكأنه يقول: أنتم لم تقرءوا القرآن كما يريد القرآن أن يقرأ، عودوا إليه لتكتشفوا غرائبه وعجائبه، فالجمل لا يقع ترتيبها عشوائيا، وهي ليست جملا مرصوصة، بل لها هندسة مرسومة يحار في شأنها المتأمل، فالجمل إذا تعددت تتقدم ما تفيد في معناها: الأعرق في القدرة على غيرها من جمل، وتتقدم ما تفيد الأقوى أثرا في حياة الناس، وكذا الأسرع ورودا في النفس، وحين تتماسك الجمل في ترابطها وتتعانق في معانيها فهي قاصدة إلى تهذيب النفس وإرشادها إلى الطريق السوي، ثم -وهذا هو العجيب- حين نرى الجمل بمعانيها وقد أخذت شكلا لا يوصف بالترتيب الدقيق يكتشف الزمخشري أنه مقصود لذاته لأنه يصور اضطراب النفس أو يصورها، وقد ساءت دخيلتها وبارت نواحيها، وينظر الزمخشري إلى النسق القرآني ويلحظ فيه أنه لا يفضل فصلا على وصل إنما يؤثر الوضوح والجلاء والجمال. والذي يؤدي الغرض يتبوأ مكانه لا خلط ولا لبس.
وفي القصص القرآني. وهو درس يحتاج إلى وقفة طويلة، قد لعب الوصل دورا مهما في تصوير أحداث القصة وفي ربط عناصرها بعد تحويلها إلى مشاهد قصيرة تتحول في النهاية إلى رواية طويلة، وفي تسجيل الحوار يبرز الفصل والوصل، فيكون الحوار موصولا مصورا دقائق الموقف أو يكون مفصولا موجزا مصورا جوانب منه.
والفصل والوصل في كل ميادينه يراعي الجانب المنطقي ويراعي مقتضى حال المخاطب نفسا وعلما وذوقا.
ومع الوصل، يقف المتكلمون يفسرون الآية لتؤيد مذهبهم، والفقهاء يستخرجون منها حكما يوافق ما ذهبوا إليه في الشرع، وهنا يبحثون لأداة الربط عن معان ومعان بل ويحولون الربط إلى قطع حتى يستقيم المضمون مع الغرض،


الصفحة التالية
Icon