هذا كمال إظهار الكراهة لإقامته بسبب خلاف سره العلن، وقوله: لا تقيمن عندنا، أوفى بتأدية هذا المقصود من قوله: "ارحل" لدلالة ذاك عليه بالتضمن مع التجرد عن التأكيد، ودلالة هذا عليه بالمطابقة مع التأكيد، كذلك قوله تعالى: ﴿قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ ١ فصل ﴿قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا﴾ عن ﴿قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ﴾ لقصد البدل، ولك أن تحمله على الاستئناف، لما في قوله: ﴿مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ﴾ من الإجمال المحرك للسامع أن يسأل ماذا قالوه٢.
الفصل لكمال الانقطاع:
وذلك حين يكون بين الجملتين جهة جامعة بأن:
"أ" تختلفا خبرا وطلبا:
مثل قوله:
وقال رائدهم أرسوا نزاولها... فكل حتف امرئ يجري بمقدار٣
وقوله:
ملكته حبلى ولكنه... ألقاه من زهد على غاربي٤
وقال إني في الهوى كاذب... انتقم الله من الكاذب
لأنه أراد الدعاء بقوله "انتقم الله" وكذا قولهم "مات فلان رحمه الله".
٢ المفتاح ١٥٠.
٣ الرائد: الدليل الذي يتقدم القوم، أرسوا: أمر من أرسيت السفينة أي حبستها ووقفتها، أو بمعنى: ثبتوا أقدامكم، تزاولها: نحاولها وتعالجها والضمير: قيل للحرب وقيل للخمر، حتف: موت، مقدار: قدر وانظر المفتاح ١٥١.
٤ ملكته حبلى: تخصصت له، الغارب: الكاهل وإلقاء الحبل على الغارب كناية عن الإهمال.