٣- مصطلح "الفصل والوصل" مصدره علم القراءات:
ودليلي على ذلك سبق وجوده في علم القراءات، وتعريف علماء القراءات به، وتشابه المدلول والغرض، فالقراءة أيًّا كان نوعها تحويل للألفاظ المكتوبة إلى أصوات منطوقة تؤدي نفس الدلالات، وفي أداء "نفس الدلالات" تكمن المشكلة، القارئ الذي لا يفهم معنى ما يقرأ ولا يتذوقه، سيقرؤه بطريقة تؤدي إلى إفساد معناه مهما كان عميقا رائعا، والخطيب إذا لم يكن متمكنا من لغته ومن معانيه التي يريد أن يوصلها إلى المستمع سيكون إلقاؤه مساعدا على تفتيت معانيه وتشتيت ذهن من يستمع له.
وإذا كان الأمر كذلك في القراءة والخطابة فهو في القرآن أشد أهمية وأعظم ضرورة.
يقول الزركشي "ت ٧٩٤هـ" في كتابه البرهان "النوع الرابع والعشرون"، في معرفة "الوقف والابتداء"، "وهو فن جميل وبه يعرف كيف أداء القرآن، ويترتب على ذلك فوائد كثيرة واستنباطات غزيرة، وبه يتبين معاني الآيات، ويؤمن الاحتزاز في الوقوع في المشكلات، وقد صنف فيه "الزجاج" قديما كتاب "القطع والاستئناف" وابن الأنباري وابن عباد والداني وغيرهم، وقد جاء عن ابن عمر أنهم كانوا يعلمون ما ينبغي أن يوقف عنده كما يتعلمون القرآن، وروى ابن عباس ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾ ١ قال: فانقطع الكلام"٢.
ولم يكن الأمر مقصورا على مؤلفات القراءات، فقد وجدت مصطلحات "الوقف والوصل"، و"القطع والابتداء"، و"الوقف والابتداء"، و"القطع والوصل" في كتب النحو والتفسير، ولن نتعقب هذه الظاهرة ويكفينا بعض الأمثلة، فنجد سيبويه "ت ١٨٠هـ" يتكلم عن "الحروف
٢ الزركشي، البرهان، ١/ ٣٤٢ وما بعدها.