وهنا يبرز جمال المعنى المقصود حين يوجد مكتملا ناضجا موحيا ليحقق كمال الفائدة، وكمال الفائدة في ألا يفتقد شيئا من أوجه الجمال السابقة، وفي أن يظل نابضا قادرا على الإفادة، مؤديا إلى معان ومعان تنبثق من معينه. وتنبعث من إيحائه، ثم تترابط -هذه المعاني الجزئية- لتصور المعنى الكلي، لتصور الحكمة المنشودة، أو الفكرة المقصودة أو الجوهر المطلوب.
والفصل والوصل وسيلة من وسائل إبراز الجمال مع غيره من الأساليب، وله أدوات، إن فصلا وإن وصلا، وطرق لأداء وظيفته، فقد يفصل القرآن الكريم بين معنيين أو يربط بينهما، متخذا الإيضاح وسيلة لإبراز جمال المعنى فيعرضه جليا لا شركة فيه ولا لبس، ليكون خالصا بذاته أمام المخاطب ليتدبره حق التدبر، أو يتخذ الإيجاز وسيلة في عرضه كيلا يتشتت الذهن في استيعاب المعنى، أو يحاول تثبيته وتقريره لأهميته وخطره، أو يعرضه في نسق ملفت مثير، أو يقطع الموضوع إلى أجزاء موصولة أو يعرضه بأشكال متعددة أو يقف أمام الهيئة المنفصلة أو الهيئة المتصلة ليرصد حركتها ويصور أبعادها أو يناسب بين الإيقاع الصوتي والإيقاع الدلالي أو غير ذلك.
والفصل والوصل في كل هذا يراعي دائما إثارة عقول المخاطبين بمختلف درجات استيعابهم وإثارة أنفسهم بمختلف نزعاتها وميولها، وكذا وجدانهم وأذواقهم.
وليس الفصل والوصل بمستقل بأدواته وطرقه عن "القصر" أو "الحذف والذكر" أو "التقديم والتأخير" أو غيرها من فنون، وهي جميعا تتآزر لإبراز جمال المعنى في أبهى صوره الفنية لتحقيق كمال الفائدة.


الصفحة التالية
Icon