الناس -الربوبية والإلهية والملكية صفات للعزيز الجبار، صفات مفصولة متعددة تمثل صفة الإله، ولكنها تختلف في قوة تصويرها، فرب الناس لفظ مشترك، فمن الناس من ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ١. وملك الناس صورة أخرى، ولكنها أضيق في الشركة لقلة عدد ملوك الناس عن عدد أحبارهم ورهبانهم، أما إله الناس فخاص لا شركة فيه، لذا جاء متأخرا، وجعل غاية للبيان، كما يقول الزمخشري٢.
فهذه الصفات صورة واحدة تعرض منفصلة شكلا متصلة مضمونا، وهنا تختلف عن الغرض البلاغي للتكرار في أنها تتصاعد مع المعنى، من الربوبية إلى الملكية إلى الإلهية، من الكثرة إلى القلة إلى التفرد.
وترى ذلك في مثال آخر، في قوله تعالى: في الوليد بن المغيرة٣ -في سورة القلم:
﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ "١٠".
﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ "١١".
﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ "١٢".
﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ "١٣".
﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾ "١٤".
فهذه كلها بدائل لابن المغيرة، صور متعددة له، أو هو وقد عرض في أشكال عديدة وفي حالات مختلفة، وفي هذا ما فيه من جمال، فمع كل صفة يذهب العقل في تصورها وتمثلها ثم ينتقل إلى الصورة التالية وقد تزود من الوليد بصفة من صفاته، وتظل النفس تنتقل من صفة إلى صفة حتى تصل إلى درجة

١ التوبة: ٣١.
٢ الكشاف ٤/ ٣٠٢.
٣ الكشاف ٤/ ١٤٢.
٤ معتد: مجاوز في الظلم حده، أثيم: كثير الإثم، عتل: غليظ جاف، زنيم: دعي.
a


الصفحة التالية
Icon