اعتراضان كما ترى، ولو جاء الكلام غير معترض فيه لوجب أن يكون، فلا أقسم بمواقع النجوم، إنه لقرآن كريم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم١."
ومثله ما أشار إليه ابن وهب صاحب البرهان في باب "في القطع والعطف" ويقصد به الفصل بالجمل المعترضة يقول: "مما قطع الكلام فيه وأخذ في فن آخر من القول ثم عطف عليه بتمام القول الأول، قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ... ﴾ ٢ ثم قطع وأخذ في كلام آخر، فقال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ ثم رجع إلى الكلام الأول فقال: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ٣ ومثل ذلك ما حكاه عن لقمان في وصيته لابنه٤.
الاستثناء المنقطع:
ويذكر الطبري في تفسيره لقوله تعالى: ﴿لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾ ٥ يقول: ويخرج "بإلا" ما بعدها من معنى ما قبلها ومن صفته وإن كان كل واحد منهما من غير شكل الآخر ومن غير نوعه، ويسمى ذلك بعض أهل العربية "استثناء منقطعًا" لانقطاع الكلام الذي يأتي بعد "إلا" عن معنى ما قبلها، وإنما يكون ذلك في كل موضع حسن أن يوضع فيه مكان "إلا" "لكن" فيعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول، ألا ترى أنك إذا قلت: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾ ثم أردت وضع "لكن" مكان "إلا" وجدت الكلام صحيحا معناه صحته وفيه "إلا" وذلك إذا قلت: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب لكن أماني يعني لكنهم يتمنون،

١ ابن جني، الخصائص ١/ ٣٣٥ وما بعدها.
٢ المائدة: ٣، والمنخنقة: التي خنقوها حتى ماتت أو انخنقت بسبب، والموقوذة: التي أثخنوها ضربًا بعصا أو حجر متى ماتت.
٣ ابن وهب، البرهان في وجوه البيان ١٢٤، ١٢٥.
٤ نفسه ٧٣.
٥ البقرة: ٧٨.


الصفحة التالية
Icon