ويضرب المبرد لذلك مثلا: آية ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ١ فكأنه قيل: فإذا قال لكما ما شانكما؟ فقولا ذلك٢.
والفصل للإيجاز يكون بين المفردات أيضا:
ويكمل الفراء حديثه في الكلام المكتفي يأتي له جواب متمثلا في المفردات أيضا، في آية التوبة ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ... ﴾ ٣ وذلك بعد قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ... ﴾ ٤ ثم يعلق: "فاعرف بما جرى تفسير ما بقي، فإنه لا يأتي إلا على الذي أنبأتك به من الفصول، أو الكلام المكتفى يأتي له جواب٥.
ويذكر ابن جني مثلا آخر لحذف الواو بين الذي هو أعرف والذي هو أعرف منه، (البدل والمبدل منه)... ما أنشده ابن الأعرابي:
وكيف لا أبكي على علاتي... صبائحي غبائقي قيلاتي٦
أي: صبائحي وغبائقي وقيلاتي. ويجوز أن يكون بدلا، أي: كيف لا أبكي على علاتي التي هي صبائحي وهي غبائقي وهي قيلاتي، فيكون هذا من بدل الكل٧.
للإيضاح
من ذلك ما قاله الشريف المرتضى في "أماليه"، في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ يقول: ويمكن أيضا على هذا الوجه مع عطف "الراسخين" على ما تقدم وإثبات العلم بالمتشابه لهم، أن يكون قوله: "يقول آمنا به" استئناف جملة استغني فيها عن حرف العطف، كما استغني في قوله: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ﴾ ٨ ونحو ذلك مما للجملة الثانية فيه التباس في الجملة الأولى، فيستغنى به عن حرف العطف، ولو عطف بحرف العطف، كان يُنَزِّل الملتبس منزلة غير الملتبس٩.

١ الشعراء: ١٦.
٢ ابن الزملكاني، التبيان في علم البيان ٦٣ تحقيق د. أحمد مطلوب ط بغداد ١٩٦٤م.
٣ التوبة: ١١٢.
٤ التوبة: ١١١.
٥ الفراء، معاني القرآن ١/ ٤٣-٤٤.
٦ العلة: الشرب بعد الشرب، أو ما يتلهى به "القاموس المحيط: مادة: العل" ٤/ ٢٠ والصبوح: ما يشرب أو يؤكل في الصباح وهو خلاف الغبوق، والقيلات ما يشرب في وسط النهار.
٧ ابن جني، الخصائص ١/ ٣٣٥ وما بعدها.
٨ الكهف: ٢٢ ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ... ﴾.
٩ الشريف المرتضى، أمال المرتضى ٢/ ٩٤، ٩٦ ط السعادة.


الصفحة التالية
Icon