الزمخشرى الذي فتح آفاقا عجيبة في فن الفصل والوصل، وطوف ما طوف، فجنى ما جنى، وكانت ثمارا طيبة.
وبقدر ما كان للجرجاني فضل على درس الفصل والوصل لكنه أضر بالفصل والوصل. فالعنصر الكلامي في معاجلة الجرجاني المتكلم الأشعري قد تسرب منه إلى كل من عالج الدرس البلاغي، كل قدر ما يستطيع أو قدر ما يستسيغ، كما أنه لم يلفت النظر إلى ضرورة الخروج إلى رحاب القرآن الكريم للتحرر من قيد الشواهد التعليمية الراسخة، فما أن اختارها للتطبيق حتى صارت ثوابت لا يجوز الخروج عليها، وعذره أنه كان يضع الأسس التي انتظرت المطبق لها، المضيف إليها، والمعترض عليها أيضا، من علمه وذوقه، الأمر الذي قام به الزمخشري كما قلنا.
ومما سببه الجرجاني أيضا بدون قصد -أن اللاحقين تصوروا أنه قد وضع الشكل النهائي لفن الفصل والوصل. فراحوا يطبقون ويشرحون ويلخصون، ولم يتصوروا أن الجرجاني قد وضع الأساس لكي يرتفع البناء، فضاعت منهم -ومنا- أجمل سني عمرهم وأروع ثمرات جهدهم في الشروح والتلخيص.