وروى الطبري وابن أبي حاتم بالإِسناد الحسن المتقدم عن محمد ابن إسحاق... عن ابن عباس (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي بما أنزل إليك وإن قالوا: إنا قد آمنا بما جاءنا من قبلك، (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي أنهم قد كَفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق فقد كفروا بما جاءك، وبما عندهم مما جاءهم غيرك، فكيف يسمعون منك إنذاراً وتحذيراً؟ وقد كفروا بما عندهم من علمك.
قوله تعالى (خَتَم الله عَلَى قُلُوبِهِمْ)
أخرج مسلم بسنده عن حذيفة، قال: كنا عند عمر. فقال: أيكم سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة. ولكن أيكم سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت، لله أبوك! قال حذيفة: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا؟ فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكته بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا، كالكوز مُجَخِّيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه". قال حذيفة: وحدثته، أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسراً، لا أبالك! فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا. بل يكسر. وحدثته، أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت. حديثا ليس بالأغاليط. قال أبو خالد: فقلت لسعد: يا أبا مالك! ما أسود مربادا؟ قال: شدة البياض في سواد. قال، قلت: فما الكوز مجخيا؟ قال: منكوسا.
((الصحيح رقم ٢٣١ - الإيمان، ب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا)، وذكره ابن كثير في التفسير مختصرا (١/٨٩). قوله مربادا: والمربد المولّع بسواد وبياض (ترتيب القاموس المحيط ٢/٢٨٦).
قوله كالكوز مُجَخِّيا: مائلا (ترتيب القاموس المحيط ١/٤٥٣)).