(فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه) عندما رأى الملائكة وقال لهم (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون) فكان حاصل أمره أنه غرهم، وخدعهم حتى أوردهم الهلاك، ثم تبرأ منهم. وهذه هي عادة الشيطان مع الإنسان كما بينه تعالى في آيات كثيرة، كقوله (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك) الآية. وقوله (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم) إلى قوله (إني كفرت بما أشركتمون من قبل).
وكقوله (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين، معه رايته في صورة رجل من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين: (لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم). فلما اصطف الناس، أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبضة من التراب فرمى به في وجوه المشركين، فولوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه، وكانت يده في يد رجل المشركين، انتزع إبليس يده فولى مدبرا هو وشيعته فقال الرجل: يا سراقة، تزعم أنك لنا جار؟ قال: (إني أرى ما لا
ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب)، وذلك حين رأى الملائكة.
قوله تعالى (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) قال لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين، وقلل المشركين في أعين المسلمين، فقال المشركون: وما هؤلاء؟ غر هولاء دينهم، وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم، وظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في أنفسهم في ذلك، فقال الله تعالى (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم).
(التفسير - سورة الأنفال ح ٥٢١)، وأخرجه أيضاً البيهقي في الدلائل ٣/١٢٠-١٢١) من طريق علي بن أبي طلحة به.
وانظر سورة البقرة آية (١٠) في قلوبهم مرض أي شك.