فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض، فتحرف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره، وأخذ ينغض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له، وابن مظعون ينظر، فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له، شخص بصر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السماء كما شخص أول مرة، فأتبعه بصره حتى توارى في السماء، فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى قال: يا محمد فيم كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة، قال: "وما رأيتني فعلت؟ " قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السماء ثم وضعته حيث وضعته على يمينك فتحرفت إليه وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئاً يقال لك. قال: "وفطنت لذاك؟ " قال عثمان: نعم. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني رسول الله آنفا وأنت جالس"، قال: رسول الله؟ قال: "نعم". قال: فما قال لك؟ قال: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمداً.
(المسند ح ٢٩٢٢) وقال محققه: إسناده صحيح. وقال ابن كثير: إسناد جيد متصل حسن قد بين فيه السماع المتصل (التفسير ٤/٥١٦) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، وشهر وثقه أحمد وجماعة وفيه ضعف لايضر، وبقية رجاله ثقات (مجمع الزوائد ٧/٤٨)، وأخرجه الترمذي من طريق عبد الحميد ابن بهرام به، وحسنه (السنن ح ٣٢١٥).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وقوله (والإحسان)، فإن الإحسان الذي أمر به تعالى ذكره مع العدل الذي وصفنا صفته: الصبر لله على طاعته فيما أمر ونهى، في الشدة والرخاء، والمكره والمنشط، وذلك هو أداء فرائضه، وقوله (إيتاء ذى القربى) يقول: الأرحام (وينهى عن الفحشاء) يقول: الزنا (والبغي) يقول: الكبر والظلم (يعظكم) يقول: يوصيكم (لعلكم تذكرون).
قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنه، ويندب إلى الإحسان، كقوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن