جل وعلا يعود للانتقام منهم بتسليط أعدائهم عليهم، وذلك في قوله: وإن عدتم عدنا ولم يبين هنا: هل عادوا للإفساد المرة الثالثة أولا؟ ولكنه أشار في آيات أخر إلى أنهم عادوا للإفساد بتكذيب الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكتم صفاته ونقض عهودة، ومظاهرة عدوه عليه، إلى غير ذلك من أفعالهم القبيحة، فعاد الله جل وعلا للانتقام منهم تصديقا لقوله: وإن عدتم عدنا فسلط عليهم نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين، فجرى علي بني قريضة والنضير، وبني قينقاع وخيبر ماجرى من القتل والسبي والإجلاء، وضرب الجزية على من بقى منهم، وضرب الذلة والمسكنة.
فمن الآيات الدالة على أنهم عادوا للإفساد، قوله تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئسما شروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين) وقوله: (أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم) الآية، وقوله: (ولاتزال تطلع على خائنة منهم..) الآية، ونحو ذلك من الآيات.
ومن الآيات الدالة على أنه تعالى عاد للانتقام منهم قوله تعالى: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار، ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب). وقوله تعالى (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها..) الآية، ونحو ذلك من الآيات.