أشهر، فإذا انتهت هذه المدة قاتلوهم.
والمراد بالعهود: العهود المطلقة غير المؤقتة بزمن، ومن كان له عهد دون أربعة أشهر فتكمل له هذه المدة، وأما من عهده مؤقت بمدة فوق ذلك فأجله إلى مدته، مهما كان لقوله تعالى: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ [براءة ٩/ ٤].
هذا أصح الأقوال الذي اختاره الطبري وابن كثير وغيرهما. قال الكلبي: إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عهد دون أربعة أشهر ومن كان عهده أكثر من أربعة أشهر، فهو الذي أمر الله أن يتم له عهده بقوله:
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ.
وقد أمّر النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم- كما أوضحت- أبا بكر في السّنة التّاسعة أميرا على الحجّ، فلما سافر نزلت سورة براءة متضمّنة نقض عهد المشركين، فأرسل عليّا ليبلّغ ذلك النّاس يوم الحجّ الأكبر قائلا: «لا يؤدّي عني إلا رجل من أهل بيتي». فلما اجتمع الناس بمنى يوم النّحر، قرأ عليهم علي آيات من أول سورة براءة، ثم قال- فيما رواه التّرمذي والنسائي وأحمد-: بعثت بأربع:
ألا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم عهد فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا.
ومعنى الآية: بَراءَةٌ أي تبرؤ وتخلص، وهي براءة صادرة من الله ورسوله، واصلة إلى الذين عاهدتم من المشركين. وإنما نسبت البراءة لله ولرسوله لأنها تشريع جديد من الله، وأمر لرسوله بتنفيذه، وتنويه بمقامه ومكانته.
ونسبت المعاهدة بقوله: عاهَدْتُمْ للمؤمنين لأنهم هم الذين ينفذون أحكام المعاهدات، مع أن الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلم هو الذي عقد العهد بوصفه قائد الأمّة. قال الجصّاص: البراءة: هي قطع الموالاة، وارتفاع العصمة، وزوال الأمان.