وإن توليتم عن الإيمان، وأعرضتم عن الإسلام، فاعلموا أنكم غير معجزي الله، أي فائتي عذابه، فلن تفلتوا منه، فإنه محيط بكم، ومنزل عقابه عليكم، ولا طاقة لكم بحربه في الدّنيا، ووعده لرسله وللمؤمنين بالنّصر عليكم.
وبشّر أيها الرّسول من أنكر رسالتك، ولم يؤمن بالله وملائكته بعذاب مؤلم شديد الألم في الآخرة. وهذا أسلوب تهكّمي واستهزاء إذ استخدم البشارة بالسّوء محل الإنذار.
ثم استثنى الله تعالى من مدّة التّأجيل بأربعة أشهر لأصحاب العهود المطلقة غير المؤقتة: من له عهد مؤقت، فأجله إلى انتهاء مدة عهده التي عوهد عليها، فقال: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ... أي إن الإخبار بنقض العهد يسري على جميع المشركين إلا المعاهدين الذين عاهدتموهم، ثم لم ينقصوكم شيئا من شروط العهد، ولم يظاهروا- يعاونوا- عليكم عدوا، كبني ضمرة وبني كنانة فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ وإن كانت أكثر من أربعة أشهر، بشرط ألا ينقض المعاهد عهده، ولم يظاهر على المسلمين أحدا، أي يمالئ عليهم من سواهم، فهذا الذي يوفى له بذمّته وعهده، وأكّد تعالى وجوب الوفاء بقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ أي الموفين بعهدهم.
قال ابن عباس: بقي لحي من كنانة من عهدهم تسعة أشهر، فأتمّ إليهم عهدهم.
وهذا دليل قاطع على حرمة المعاهدات في الإسلام، وأن الوفاء بالعهد من فرائض الإسلام ما دامت مدّة المعاهدة قائمة، وأن العهد المؤقّت لا ينقض إلا بانتهاء وقته، وأن مراعاة شروط المعاهد من مظاهر التّقوى ومشتملاتها.