وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هم بطون من اليمن وسبأ قدموا مكة، فأسلموا، فلقوا من أهلها أذى شديدا، فبعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يشكون إليه،
فقال: «أبشروا، فإن الفرج قريب».
ثم قال تعالى: وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وهذا ابتداء كلام وإخبار بأن بعض أهل مكة يتوب عن كفره، وقد حدث ذلك فعلا، فأسلم أناس منهم وحسن إسلامهم، مثل أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسليم بن أبي عمرو.
والسبب في جعل هذه الجملة استئناف كلام جديد هو أن التوبة لا يكون سببها القتال إذ قد توجد بغير قتال لمن شاء الله أن يتوب عليه في كل حال.
والله عليم بما يصلح عباده، حكيم في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية، فيفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وهو العادل الحكيم الذي لا يجور أبدا، ولا يفعل إلا ما اقتضته الحكمة، ويجازي كل إنسان على ما قدم من خير أو شر في الدنيا والآخرة.
وهذا دليل على أن من سنته تعالى تفاوت البشر في قابلية التحول من حال إلى حال بأسباب ومؤثرات تقتضيها المقادير الإلهية.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآية على أن قتال المشركين الناكثين العهد كان لأسباب كثيرة أهمها نقضهم العهد، والتصميم على طرد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من موطنه، أو حبسه أو قتله، وبدؤهم المؤمنين بالعدوان والقتال، إلى آخر الأسباب السبعة الداعية للقتال.
فبالرغم من التحريض على القتال بقوله تعالى: أَلا تُقاتِلُونَ فإنه تعالى أثار في المؤمنين روح الشجاعة والإقدام من طريق أنهم لا يخشون أحدا إلا الله، ومن إيمانهم الحق الصادق بالله، فإن من لا يخشى غير الله، وآمن بالله إيمانا