من الأنفال، بدليل كثرة أسمائها المميزة لها، وفصلها عما سبقها، واستقر على ذلك ترتيب السور والآيات، وتناقل المسلمون هذا الفصل في المصحف من عهد الصحابة لما كتبوا المصحف في خلافة عثمان.
قال عثمان رضي الله عنه: قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، ولم يبين لنا أنها منها. وفي قوله هذا دليل على أن السور كلها انتظمت بقوله وتبيينه، وأن براءة وحدها ضمّت إلى الأنفال من غير عهد من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لما عاجله من الحمام قبل تبيينه ذلك. وكانتا تدعيان القرينتين، فوجب أن تجمعا وتضم إحداهما إلى الأخرى للوصف الذي لزمهما من الاقتران، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم حيّ «١».
قال ابن العربي: هذا دليل على أن القياس أصل في الدين، ألا ترى إلى عثمان وأعيان الصحابة كيف لجؤوا إلى قياس الشّبه عند عدم النص، ورأوا أن قصة براءة شبيهة بقصة الأنفال فألحقوها بها، فإذا كان الله قد بيّن دخول القياس في تأليف (أي جمع) القرآن، فما ظنك بسائر الأحكام «٢» ؟!
تاريخ نزولها:
كانت الأنفال من أوائل ما أنزل بعد الهجرة، وبراءة من آخر ما نزل من القرآن، نزلت في السنة التاسعة من الهجرة، وهي السنة التي حدثت فيها غزوة تبوك، وهي آخر غزواته صلّى الله عليه وآله وسلم، خرج فيها لغزو الروم، وقت القيظ والحر الشديد، زمن العسرة، حين طابت الثمار، فكانت ابتلاء لإيمان المؤمنين، وافتضاحا لنفاق المنافقين.
وقد نزل أولها بعد فتح مكة، فأرسل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عليا ليقرأها على المشركين في موسم الحج.

(١) تفسير القرطبي: ٨/ ٦٣
(٢) أحكام القرآن: ٢/ ٨٨١


الصفحة التالية
Icon