وأما مضمون الجواب عن تعجبهم: فهو أني ما جئتكم إلا بالتوحيد والإقرار بالمعاد، وقد أقمت الأدلة على صحتها، فلا معنى للتعجب من نبوتي.
التفسير والبيان:
العجلة من طبائع الإنسان، فهو دائما يتعجل الخير لأنه يحبه، ويتعجل الشّر حين الغضب والحماقة والضجر، فلو يعجل أو يسرع الله للناس إجابة دعائهم في حال الشر، كاستعجالهم تحقيق الخير، لأميتوا وأهلكوا، وذلك مثل استعجال مشركي مكة إنزال العذاب عليهم، كما قال تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ، وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ
[الرعد ١٣/ ٦] وقال سبحانه: وَإِذْ قالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال ٨/ ٣٢].
وسمى الله تعالى العذاب شرّا في هذه الآية لأنه أذى في حق المعاقب، ومكروه عنده، كما أنه سماه سيئة في قوله: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ.. وفي قوله: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى ٤٢/ ٤٠].
ولكنه تعالى بحلمه ولطفه بعباده لا يستجيب لهم ويذرهم إمهالا لهم واستدراجا، فإنه لو أجابهم لانتهى أمرهم وهلكوا، كما هلك الذين كذبوا الرسل، وربما آمن به بعضهم، أما من عاند فيعاقبه الله بالقتل، كما قال تعالى: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ [التوبة ٩/ ١٤].
وأما عذاب سائر الكفار فنتركه إلى يوم القيامة، كما قال تعالى: فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ أي فنترك غير المتوقعين لقاءنا فيما هم فيه من طغيان الكفر والتكذيب، يترددون فيه متحيرين، ولا نعجل لهم في الدنيا عذاب الاستئصال تكريما للنبي صلى الله عليه وسلّم، ونمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم، إلزاما للحجة عليهم.