التفسير والبيان:
ما كان الناس في كل زمن إلا أمة واحدة على الفطرة النقية المؤمنة بالله تعالى وحده لا شريك له، أي فطرة الإسلام والتوحيد. ثم اختلفوا بعدئذ في الأديان باتباع الأهواء والأباطيل، أو عند بعثة الرسل فتبعتهم طائفة وأصرّت أخرى على الضلال. ونظير هذه الآية قوله تعالى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [البقرة ٢/ ٢١٣] ويؤيده
قوله صلى الله عليه وسلّم: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه» «١».
فكل الناس كانوا جميعا على الدين الحق وهو دين الإسلام، ثم اختلفوا فبعث الله الأنبياء والمرسلين لهدايتهم وإزالة الاختلاف بكتاب الله، فمنهم من آمن واهتدى، ومنهم من ضل واعتدى، ثم اختلفوا في كتاب الله اتباعا لأهوائهم.
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ، أي ولولا ما تقدم من الله تعالى من كلمة حق في جعل الجزاء الفاصل بين الناس يوم القيامة فإنه يوم الفصل والجزاء، لعجّل لهم العذاب في الدنيا بإهلاك المبطلين، وتعذيب العصاة بسبب اختلافهم، ولقضي بينهم فيما اختلفوا فيه: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [يونس ١٠/ ٩٣].
وفي هذا وعيد على الاختلاف في أصول الاعتقاد وفي الكتاب الذي أنزل لإعادة الناس إلى الوحدة الأولى وإزالة الشقاق بينهم. كما أن فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلّم في تأخير العذاب عمن كفر به، وبيانا لطبع الإنسان.