التفسير والبيان:
هذا مثل ضربه الله تعالى للحياة الدنيا في سرعة انقضائها وزوال بهجتها ونعيمها، وهو أن صفة الحياة الدنيا العجيبة كالنبات الذي أخرجه الله من الأرض بماء المطر المنزل من السماء، فإذا هطل على الأرض أنبت نباتات شتى تشابكت واختلط بعضها ببعض، منها ما يأكله الناس من زروع وحبوب وثمار، على اختلاف أنواعها وأصنافها، ومنها ما تأكله الأنعام من أقوات ومراع وغير ذلك.
وقوله: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ أي اختلط بالماء نبات الأرض.
حتى إذا اكتمل نمو النبات وازدهر، وأَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها أي حسنها وزينتها الفانية، وَازَّيَّنَتْ بأبهى أنواع الزينة، أي تزينت وحسنت بما خرج في رباها ووهادها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان وحبوب وثمار، وَظَنَّ أي أيقن أهلها الذين زرعوها وغرسوها، أنهم متمكنون قادرون من جذاذها وحصادها والانتفاع بها، فبينما هم كذلك إذ جاءتها صاعقة أو ريح شديدة باردة، فأيبست أوراقها وأتلفت ثمارها. ويلاحظ أنه أخبر عن الأرض وأراد النبات إذ كان مفهوما، وهو منها.
وهو معنى قوله: أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً.. أي نزل بها قضاؤنا المقدر لهلاكها ليلا أو نهارا، فجعلناها كالأرض المحصودة، يابسة بعد الخضرة والنضارة، كأن لم تنبت، وكأنها ما كانت حينا قبل ذلك، وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن، كما قال تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأعراف ٧/ ٩٧- ٩٨] وقال تعالى إخبارا عن المهلكين: فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها [هود ١١/ ٦٧- ٦٨]
وجاء في الحديث الذي أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أنس: «يؤتي بأنعم أهل الدنيا، فيغمس في النار غمسة، فيقال له: هل رأيت خيرا


الصفحة التالية
Icon