فمبادرته كانت للفرار، ومبادرتها كانت للتشبّث فيه، فأمسكت ثوبه وجذبته إليها. وَقَدَّتْ شقت قميصه من دبر، أي من الخلف والقد: الشق طولا. وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ وجدا زوجها وصادفاه عند الباب. قالَتْ: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً أي نزهت نفسها، وأو همت زوجها أنها فرّت منه تبرئه لساحتها عنده وإغراء به للانتقام من يوسف. وما نافية أو استفهامية، والمعنى: أي شيء جزاؤه إلا السجن أي الحبس. أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم بأن يضرب.
وتعبير وَاسْتَبَقَا الْبابَ من اختصار القرآن المعجز، الذي يجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة.
قالَ: هِيَ راوَدَتْنِي قال يوسف: هي طالبتني بالمواتاة، دفاعا عن نفسه لما عرضت له من السجن أو العذاب، ولو لم تكذب عليه لما قال ذلك. وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها قيل:
ابن عمها، أو ابن خالها، وكان صبيا في المهد، أنطقه الله تعالى.
مِنْ قُبُلٍ من قدام أو أمام. مِنْ دُبُرٍ من خلف. فَلَمَّا رَأى زوجها قالَ: إِنَّهُ أي إن قولك: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً مِنْ كَيْدِكُنَّ أي من حيلتكن أيها النساء، والخطاب لها ولأمثالها، أو لسائر النساء. إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ أي إن كيد النساء ألصق وأعلق بالقلب، وأشد تأثيرا في النفس، ولا قدرة للرجال عليه ولا يفطنون لحيلهن.
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا أي ثم قال زوجها: يا يوسف أعرض عن هذا الأمر، ولا تذكره واكتمه لئلا يشيع الخبر بين الناس. وَاسْتَغْفِرِي يا زليخا. إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ أي الاثمين المذنبين، ولكن شاع الخبر واشتهر. والتذكير للتغليب.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى ما أكرم به يوسف من المكارم المادية بالإقامة في قصر عزيز مصر، والمعنوية من النبوة أو العلم والحكمة، ذكر هنا محنته مع امرأة العزيز، والتزامه العفة والنزاهة والطهارة، حتى إنه آثر دخول السجن على ارتكاب الفاحشة، والتخلص من افتتان النساء به.
التفسير والبيان:
كان يوسف عليه السّلام في غاية الحسن والجمال، وقد أوصى عزيز مصر امرأته بإكرامه وحسن تعهده، فأحبته حبا شديدا لجماله وحسنه وبهائه، فحملها