ما لا يضر وما لا ينفع من الأصنام، مع ما يشاهدونه من آيات الله تعالى ودلائله في خلقه على أنه القادر على ما يشاء، ومع اعترافهم من أنه ابتدأ خلق الأشياء، فكونها بعد أن لم تكن شيئا مذكورا، إن تعجب من ذلك، فالأعجب منه والأغرب تكذيبهم بالبعث والقيامة، وقولهم: هل تمكن الإعادة بعد الفناء والبلى والصيرورة ترابا؟ وقد تكرر منهم هذا الاستفهام الإنكاري في أحد عشر موضعا، في تسع سور من القرآن: في الرعد، والإسراء، والمؤمنون، والنّحل، والعنكبوت، والسّجدة، والصافات، والواقعة، والنّازعات.
مع أن كل عالم وعاقل يعلم أن خلق السّموات والأرض أكبر من خلق النّاس، وأن من بدأ الخلق فالإعادة عليه أسهل، كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى، بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأحقاف ٤٦/ ٣٣].
ثم حكم الله تعالى حكمه عليهم بأحكام ثلاثة بقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أي أولئك الكافرون الذين جحدوا بربهم، وكذبوا رسوله، وتمادوا في عنادهم وضلالهم لأن إنكار قدرة الله تعالى إنكار له. وهذا يدل على أن كل من أنكر البعث والقيامة، فهو كافر.
وأولئك المقيدون بالسلاسل والأغلال يسحبون بها، قال أبو حيان:
والظاهر أن الأغلال تكون حقيقية في أعناقهم كالأغلال «١»، كما قال: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ، وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ [غافر ٤٠/ ٧١] وهذا حقيقة، وحمل الكلام على الحقيقة أولى.
وهم أصحاب النّار الخالدون فيها في الآخرة بقوله: وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ..

(١) البحر المحيط: ٥/ ٣٦٦


الصفحة التالية
Icon