والخلاصة: إن الله يغفر للنّاس مع ظلمهم أنفسهم باكتساب الذنوب، أي ظالمين أنفسهم، قال ابن عباس: ليس في القرآن آية أرجى من هذه.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ أي وإنه تعالى شديد العقاب للعصاة.
ويلاحظ أنه تعالى قرن حكم المغفرة والرحمة بأنه شديد العقاب، كما هو شأن القرآن كثيرا، ليعتدل الرجاء والخوف، وليكون الإنسان بين الأمل والحذر، كما قال تعالى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ: رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ، وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام ٦/ ١٤٧] وقال: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ [الحجر ١٥/ ٤٩- ٥٠] وقال: إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف ٧/ ١٦٧] ونحو ذلك من الآيات التي تجمع بين الرجاء والخوف.
روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيّب قال: لما نزلت هذه الآية: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ الآية، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا عفو الله ورحمته وتجاوزه، ما هنأ أحدا العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتّكل كل أحد».
ثم ذكر الله تعالى ما طالب به المشركون النّبي صلّى الله عليه وسلّم من معجزة حسية كالأنبياء السّابقين بقصد التعجيز والإصرار على الكفر والطعن في النّبوة والتشكيك في صحتها فقال: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا.. أي يقول المشركون كفرا وعنادا:
لولا يأتينا بآية من ربه كما أرسل الأولون، مثل عصا موسى، وناقة صالح، ومائدة عيسى، فيجعل لنا الصفا ذهبا، وأن يزيح عنا الجبال، ويجعل مكانها مروجا وأنهارا.
فرد الله عليهم الشّبهة بآية أخرى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [الإسراء ١٧/ ٥٩] أي نخشى تطبيق العقاب على المكذبين، فإن


الصفحة التالية
Icon