لا يعلمون أنها تضرّ ولا تنفع، وهي الأصنام. نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الزروع والأنعام، بقولهم:
هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا [الأنعام ٦/ ١٣٦] تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ سؤال توبيخ، وفيه التفات عن الغيبة. تَفْتَرُونَ تكذبون على الله من أنه أمركم بذلك، وأنها آلهة حقيقة بالتّقرب إليها، وهو وعيد لهم عليه.
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ بقولهم: الملائكة بنات الله، كانت خزاعة وكنانة يقولون: إن الملائكة بنات الله. سُبْحانَهُ تنزيها له عن النقائص، أو تنزيها له من قولهم أو تعجّبا منه ومما زعموا. وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ أي يشتهونه، وهم البنون، والمعنى: يجعلون له البنات التي يكرهونها، وهو منزّه عن الولد، ويجعلون لهم الأبناء الذين يختارونهم، فيختصون بالأسنى الأرفع، كقوله تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ، وَلَهُمُ الْبَنُونَ؟ [الصافات ٣٧/ ١٤٩].
وَإِذا بُشِّرَ البشارة: إلقاء الخبر المؤثر في تغير الوجه، ويكون في السّرور والحزن، وجاءت الآية في الثاني (الحزن) ثم خصّ عرفا بالخبر السّارّ. ظَلَّ صار مُسْوَدًّا متغيّرا، وهو كناية عن الاغتمام من الكآبة والحياء من الناس. كَظِيمٌ ممتلئ غمّا وغيظا وحزنا.
يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ يستخفي منهم أي من قومه. مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ من سوء المبشر به عرفا، خوفا من التغيير، مترددا فيما يفعل به. أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أيتركه بلا قتل، بهوان وذلّ، والإمساك هنا: الحبس. أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أي يواريه في التّرب أو يئده، وذكر ضمير يمسكه ويدسّه لأنه عائد على ما في قوله تعالى: ما بُشِّرَ بِهِ. ساءَ بئس.
ما يَحْكُمُونَ حكمهم هذا، حيث نسبوا لخالقهم البنات اللاتي هنّ عندهم بهذا التقدير.
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي الكفار. مَثَلُ السَّوْءِ أي الصفة السوء بمعنى القبيحة، وهي اشتهاء الذكور استظهارا بهم، وكراهة الإناث ووأدهنّ خشية الإملاق أو الفقر والعار، مع احتياجهم إليهن للزواج. وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي الصفة العليا، وهي أنه لا إله إلا هو، واتّصافه بجميع صفات الجلال والكمال، فله الوجوب الذاتي، والغنى المطلق، والجود الفائق، والنزاهة عن صفات المخلوقين. وَهُوَ الْعَزِيزُ القوي في ملكه، المتفرد بكمال القدرة. الْحَكِيمُ المتّصف بكمال الحكمة في صنعه وخلقه.
بِظُلْمِهِمْ بالمعاصي. ما تَرَكَ عَلَيْها على الأرض. مِنْ دَابَّةٍ نسمة تدبّ عليها.
لا يَسْتَأْخِرُونَ عنه. وَلا يَسْتَقْدِمُونَ عليه، بل هلكوا وعذبوا حينئذ لا محالة، وإضافة الظلم للناس الدّال على العموم: لا يلزم أن يكونوا كلهم ظالمين، حتى الأنبياء عليهم السّلام، لجواز أن يضاف إليهم ما شاع فيهم، وصدر عن أكثرهم. وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ أي ينسبون لله ما هو قبيح لأنفسهم من البنات، والشريك في الرّياسة، وإهانة الرّسل، وخبائث الأموال.
وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ مع ذلك، أي يكذبون، كما يقال: عينها تصف السحر، أي هي


الصفحة التالية
Icon