أي أنه تعالى خلق السماء على وجه ينزل منه الماء، الذي يكون سببا لحياة الأرض بإنبات الزرع والشجر والثمر، بعد أن كانت الأرض ميتة لا حياة فيها ولا ثمر ولا نفع.
إن في ذلك لآية واضحة ودليلا قاطعا على وحدانية الله تعالى وعلمه وقدرته لمن يفهمون الكلام ويدركون معناه، بسماع التدبر والإمعان، لا بمجرد سماع الآذان. فهذا دليل حسي على توحيد الإله، وتخصيصه بالعبادة، وإفراده بالألوهية.
وهناك دليل آخر على قدرة الله الباهرة، وهو إخراج اللبن من الضرع، فقال تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ.. أي وإن لكم أيها الناس لعظة وعبرة دالة على قدرتنا ورحمتنا ولطفنا في الأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم، فإننا نسقيكم مما يخرج من بطونها من اللبن الخالص من الشوائب، السائغ شربه في الحلق، فلا يغص به أحد، اللذيذ طعمه، السهل هضمه، الذي يخلقه الله لبنا خالصا وسيطا بين الفرث (وهو الزبل الذي ينزل إلى الكرش) والدم المحيطين به، أي يتخلص الدم بياضه وطعمه وحلاوته في باطن الحيوان من بين خلاصة المأكول في الكرش والأمعاء، والدم في العروق، فإذا هضم الغذاء في المعدة صرف من عصارته دم إلى العروق، ولبن إلى الضرع، وبول إلى المثانة، وروث إلى المخرج، وكل منها لا يشوب الآخر، ولا يمازجه بعد انفصاله عنه، ولا يتغير أو يتأثر به. وذلك دليل القدرة الإلهية والحكمة البالغة.
وذكّر ضمير بُطُونِهِ مراعاة للفظ الْأَنْعامِ فهو لفظ مفرد وضع لإفادة الجمع، كالرهط والقوم والبقر والغنم، فقد يراعى اللفظ فيكون ضميره التذكير، وقد يراعى المعنى فيكون ضميره ضمير الجمع وهو التأنيث.
وهناك دليل آخر وهو ما يتخذ من أشربة من ثمرات النخيل والأعناب وهي


الصفحة التالية
Icon