وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ: إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً لا تقل لأجل شيء: سأفعله غدا أو فيما يستقبل من الزمان إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أي إلا متلبسا بمشيئة الله تعالى بأن تقول: إن شاء الله. وهذا نهي تأديب من الله تعالى لنبيه، حين قالت اليهود لقريش: سلوه عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين، فسألوه، فقال: ائتوني غدا أخبركم، ولم يقل: إن شاء الله، فأبطأ عليه الوحي بضعة عشر يوما، حتى شق عليه، وكذبته قريش، فنزلت الآية.
وَاذْكُرْ رَبَّكَ أي مشيئته، معلقا الأمر بها إِذا نَسِيتَ التعليق بها، ويكون ذكرها بعد النسيان كذكرها مع القول، ما دام في المجلس، كما قال الحسن وغيره، وعن ابن عباس: ولو بعد سنة ما لم يحنث لِأَقْرَبَ مِنْ هذا من خبر أهل الكهف في الدلالة على نبوتي رَشَداً هداية، وقد تم المراد، وهداه الله لأعظم من ذلك، كقصص الأنبياء الغابرين، والإخبار عن المغيبات في المستقبل إلى قيام الساعة.
ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ هي عند أهل الكتاب شمسية، وتزيد القمرية عليها عند العرب تسع سنين، فقال: وَازْدَادُوا تِسْعاً أي تسع سنين، فالثلاث مائة الشمسية: ثلاث مائة وتسع قمرية أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا ممن اختلفوا فيه لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي علمه أَبْصِرْ بِهِ بالله، وهي صيغة تعجب وَأَسْمِعْ كذلك، بمعنى: ما أبصره وما أسمعه، وهما على جهة المجاز، والمراد:
أنه تعالى لا يغيب عن بصره وسمعه شيء ما لَهُمْ لأهل السموات والأرض وَلِيٍّ ناصر وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ولا يشرك في قضائه أحدا منهم، ولا يجعل له فيه مدخلا لأنه غني عن الشريك.
سبب النزول:
سبق ذكر سبب نزول قصة أصحاب الكهف عند قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء ١٧/ ٨٥]. وذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه القصة مفصلا موضحا، فقال: كان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وكان يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة، وتعلّم أحاديث رستم وإسفنديار، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا جلس مجلسا ذكر فيه الله، وحدّث قومه ما أصاب من كان قبلهم من الأمم، وكان النضر يخلفه في مجلسه إذا قام، فقال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه، فهلموا، فأنا أحدثكم بأحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس.


الصفحة التالية
Icon