اختبر فيه الخضر صبر موسى، ولم يصبر لمخالفته ظاهر شريعته لأن القتل لا يكون إلا لأجل القصاص بالنفس، مع أنه قد يكون لسبب آخر.
التفسير والبيان:
قالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً أي قال الخضر لموسى الذي خالف الشرط: ألم أخبرك أنك لا تتمكن من احتمال ما أفعله، ولن تسكت على ما أقوم به. ويلاحظ أنه زاد هنا لفظ لَكَ على ما سبق لأن سبب العتاب أوضح وأقوى بعد التذكير المتقدم، وتكرر المخالفة من موسى للعهد أو الشرط الذي التزمه، وإن كان قتل الغلام الوضيء الجميل الحسن الذي كان يلعب مع الغلمان في قرية أعظم جرما وأقبح من خرق السفينة، لذا قال موسى:
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً والنكر أعظم من (الإمر) في القبح. وهذا إشارة إلى أن قتل الغلام أقبح من خرق السفينة لأن إتلاف النفس أخطر من إتلاف المال.
فاعتذر موسى عليه السلام بقوله:
قالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي، قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً أي قال موسى للخضر: إن اعترضت على شيء يحدث بعد هذا الفعل، أو هذه المرة، فلا تجعلني صاحبا لك، قد أعذرت إلي مرة بعد مرة، حيث أكون قد خالفتك إلى الآن مرتين. وهذا كلام نادم شديد الندامة.
روى ابن جرير عن أبيّ بن كعب قال: كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا ذكر أحدا، فدعا له، بدأ بنفسه، فقال ذات يوم: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب، ولكنه قال: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها، فَلا تُصاحِبْنِي، قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً».