مُعْرِضُونَ
وصفهم بالغفلة مع الإعراض، والغفلة في الأصل: عدم تذكر الشيء، والمراد هنا: الترك إهمالا وإعراضا. والإعراض: الإضراب والتولي عن الشيء، والمراد هنا الإعراض عن التأهب للحساب بالإيمان.
مِنْ ذِكْرٍ أي قرآن ينبّه من الغفلة والجهالة مُحْدَثٍ أي جديد إنزاله، منزّل شيئا فشيئا، أتى به لتكرير التنبيه لأسماعهم كي يتعظوا يَلْعَبُونَ يستهزئون ويسخرون لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ غافلة ساهية متشاغلة عن التأمل وتفهم معناه وَأَسَرُّوا النَّجْوَى أي أسروا التناجي والكلام، والمراد: أنهم أخفوا التناجي وبالغوا في الإخفاء هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أي أسروا هذا الحديث، أو قالوا بمعنى اعتقدوا، والمراد: هل هذا أي محمد إلا بشر مثل الناس، وكل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة هو ساحر، ومعجزته سحر، ولذلك قالوا: أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أي أتتبعون السحر، وأنتم تشاهدون وتعاينون أنه سحر؟! قالَ: رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي قال لهم محمد: الله يعلم القول كائنا في السماء والأرض، جهرا كان أو سرا، فضلا عما أسرّوا به وَهُوَ السَّمِيعُ لما أسروه الْعَلِيمُ بما قالوا، فلا يخفى عليه ما تسرون، ولا ما تضمرون.
بَلْ للانتقال من غرض إلى آخر، ولا تذكر في القرآن إلا على هذا النحو قالُوا: أَضْغاثُ أَحْلامٍ أي إنهم قالوا: إن ما أتى به من القرآن تخاليط أحلام رآها في النوم، فهم أضربوا عن قولهم: هو سحر إلى أنه أخلاط أحلام بَلِ افْتَراهُ أي اختلقه من عنده، فهم أضربوا ثانية إلى أنه كلام افتراء بَلْ هُوَ شاعِرٌ أي ثم أضربوا إلى أنه قول شاعر، فما أتى به هو شعر، والانتقال في المواضع الثلاثة للدلالة على التردد والتحير في وصف القرآن فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ.. أي كناقة صالح، وعصا موسى ويده، ومعجزات عيسى كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى.
ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أي ما آمن أهل قرية أهلكناها بتكذيب ما أتاها من الآيات التي جاءتهم لما اقترحوها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ لو جئتهم بها، وهم أعتى منهم؟ لا. وفيه تنبيه على أن عدم الإتيان بالمقترح للإبقاء عليهم إذ لو أتى به، ولم يؤمنوا، استوجبوا عذاب الاستئصال، كمن قبلهم.
سبب النزول: نزول الآية (٦) :
أخرج ابن جرير عن قتادة قال: قال أهل مكة للنبي صلّى الله عليه وسلم: إن كان ما تقول حقا، ويسرّك أن تؤمن، فحوّل لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل عليه