إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً، فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ أي إن الله قادر على كل شيء، فلو نشاء لأنزلنا عليهم من السماء آية تضطرهم إلى الإيمان قهرا، وتقسرهم عليه، فتصبح رقابهم خاضعة ذليلة منقادة لما نريد، أو يصبح كبراؤهم ورؤساؤهم منقادين، ولكنا لا نفعل ذلك لأنا لا نريد من أحد إلا الإيمان عن اختيار وطواعية ورضا، لا بالقسر والإكراه، كما قال سبحانه: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس ١٠/ ٩٩] وقال عز وجل: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً [هود ١١/ ١١٨]. وأضحت سنتنا إرسال الرسل إلى البشر، وإنزال الكتب عليهم، ليؤمنوا عن بيّنة واقتناع.
لكن الكفار ممعنون في الكفر، موغلون في الضلال، معاندون معرضون، فقال: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس، وما الهدف من تجديد إنزال الكتب الإلهية إلا تكرار التذكير، وتنويع البيان، للتأمل وإعمال الفكر، والهداية والإصلاح، غير أنه كلما جدد الله لهم موعظة وتذكيرا جددوا إعراضا وتكذيبا كما قال:
فَقَدْ كَذَّبُوا، فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي فقد كذب أولئك المشركون بما جاءهم من الذّكر والحق، ثم بادروا إلى الاستهزاء، فسيعلمون نبأ هذا التكذيب والاستهزاء في المستقبل، كما قال تعالى: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص ٣٨/ ٨٨] وقال: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [يس ٣٦/ ٣٠].
ثم إنهم أعرضوا عن التفكير في آيات الله الكونية وآثاره المشاهدة فقال:
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ أي أولم ينظروا إلى


الصفحة التالية
Icon