والعصي مجوفة مملوءة بالزئبق، فلما حميت اشتدت حركتها، فصارت كأنها حيات تدب من كل جانب من الأرض، فهاب موسى عليه السلام ذلك، فقيل له: ألق ما في يمينك فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ثم فتحت فاها، فابتلعت كل ما رموه من حبالهم وعصيهم، حتى أكلت الكل، ثم أخذ موسى عصاه، فإذا هي كما كانت، فلما رأى السحرة ذلك قالوا لفرعون: كنا نساحر الناس، فإذا غلبناهم بقيت الحبال والعصي، وكذلك إن غلبونا، ولكن هذا حق، فسجدوا وآمنوا برب العالمين.
أما عدد السحرة والحبال والعصي فليس فيها رواية ثابتة، والذي يدل عليه القرآن أنها كانت كثيرة، من حيث حشروا من كل بلد، ولأن فرعون اطمأن إلى الغلبة بهذا الجمع الغفير.
ومن أمارات الهزيمة: أن السحرة قالوا حين الإلقاء: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ، إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ أي قطعوا بالغلبة، أما موسى فألقى باسم الله وعزته.
والمفاجأة العظمى الأخرى غير نصر المعجزة لموسى عليه السلام هي إيمان السحرة بالله عز وجل، فخروا ساجدين لله تعالى لأنهم كانوا عالمين بمنتهى السحر، فلما رأوا أن عصا موسى تبتلع كل ما صنعوا من تخييل وتمويه، وشاهدوا أن ذلك خارج عن حدّ السحر، علموا أنه ليس بسحر.
وقد أعلنوا إيمانهم الجازم بالله عز وجل غير عائبين بتهديدات فرعون الجبار العاتي، وفضلوا الموت استشهادا في سبيل هذا الإيمان، مع تقطيع الأيدي والأرجل والصلب، على العودة إلى مستنقع الكفر وضلال السحر، وخلد القرآن الكريم موقفهم الصلب الثابت رضي الله عنهم، بأمرين:
الأول- التفاني في حب الله وابتغاء مرضاته، وأنهم ما آمنوا رغبة في ثواب أو