الأركان، تامة الشروط، مستحضرا فيها المصلي عظمة ربه، خاشعا في تلاوته ومناجاته وأذكاره وتسبيحاته، ويعطون الزكاة المفروضة المطهرة لأموالهم وأنفسهم من الدنس والشبهات، ويوقنون بالدار الآخرة، والبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال خيرها وشرها، والجنة والنار، فيستعدون للأنسب الأفضل لهم، ويطيعون ربهم فيما أمر به، وينأون عما نهي عنه وزجر.
ثم قارن الله تعالى حال هؤلاء بحال من لا يؤمن بالآخرة، فذكر منكري البعث بعد ذكر المؤمنين الموقنين بالبعث فقال:
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ، فَهُمْ يَعْمَهُونَ أي إن الذين يكذبون بالآخرة ويستبعدون وقوعها بعد الموت، حسّنا لهم ما هم فيه، ومددنا لهم في غيهم، فهم يتيهون ويترددون في ضلالهم، جزاء على ما كذبوا من الدار الآخرة، كما قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام ٦/ ١١٠].
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ، وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ أي أولئك جزاؤهم العذاب السيء في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فمثل قتلهم وأسرهم يوم بدر، وأما في الآخرة فلهم عذاب النار، بل هم في الآخرة أشد الناس خسرانا، لا يخسر أنفسهم وأموالهم سواهم من أهل المحشر لأن عذابهم فيها دائم لا ينقطع.
وبعد وصف حال المؤمنين بالقرآن والمكذبين به، ذكر الله تعالى حال المنزل عليه فقال: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ أي وإنك أيها الرسول لتأخذ القرآن وتعطاه وتتعلمه من عند حكيم في أمره ونهيه وتدبير خلقه، عليم بالأمور جليلها وحقيرها وبأحوال خلقه وما فيه خيرهم، فخبره هو الصدق المحض، وحكمه هو العدل التام، كما قال: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا [الأنعام ٦/ ١١٥].