وكانت فاتحة خطاب الله لموسى إظهار عظمة الله وعزته وحكمته البالغة:
إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي إنني أنا الله الغالب القاهر الذي ليس كمثله شيء، الحكيم في أمره وفعله.
ثم جعل له تسع آيات دليلا وبرهانا على نبوته، وأهمها وأبرزها: العصا واليد، فكان إذا ألقى عصاه من يده، صارت حية تهتز كأنها جانّ، وهي الحية الخفيفة الصغيرة الجسم، وقيل: إنها كبيرة ضخمة ذات حركة سريعة. وإذ أدخل يده في جيب ثم أخرجها أصبحت ذات مصدر إشعاع ونور كالقمر.
ومن الطبيعي أن يخاف موسى عليه السلام لأول مرة من الحية المضطربة المتحركة التي يخشى الإنسان من لدغها بالفطرة، ففرّ هاربا منها، ولم يرجع ولم يلتفت إلى ما وراءه، فطمأنه ربه العلي العظيم قائلا: إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ وهذا خبر بالرسالة والنبوة.
ثم استثنى استثناء منقطعا من خلاف جنس المستثنى منه فقال: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ أي لكن لا يخاف من ظلم وعصى وأساء، ثم تاب وأناب لربه، فالله غفور لمن تاب، رحيم بمن أناب. وهذا تثبيت لموسى بأنه ليس من شأنه الخوف، وتطمين له بأن ربّه غفر له بعد أن تاب من حادث قتل القبطي وهو شاب حدث قبل النبوة. أما بعد النبوة فالأنبياء معصومون من الصغائر والكبائر.
ثم أخبره ربه بأنه مبعوث أو مرسل إلى فرعون وقومه الفاسقين، أي الخارجين عن طاعة الله، فأظهر موسى عليه السلام لهم معجزاته الباهرة الدالة على صدقه دلالة واضحة بيّنة، فجروا على عادتهم في التكذيب، وأنكروها وعاندوها في الظاهر، ولكنهم تيقنوا من صدقها في الباطن أو في القلب، وأنها من عند الله، وأنها ليست سحرا، غير أنهم تجاهلوا ذلك، وجحدوا بها جحودا ظلما وعلوا واستكبارا كشأن كل العتاة المتكبرين.