وبه يتبين أن الله تعالى سخر لسليمان الإنس، فكان له عساكر كثيرون منهم، والجن لصناعة المباني الضخمة والأواني الواسعة والقدور السابغة، والطير، كما سيأتي في قصة الهدهد.
٣- قصة النملة:
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ، لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي حتى إذا قدم سليمان ومن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل، وهي- كما يقال ولم يثبت- واد بالشام أو بغيره كثير النمل، نادت نملة هي ملكة النمل، كما فهم سليمان: يا أيها النمل، ادخلوا بيوتكم، حتى لا يكسرنكم سليمان وجنوده، دون أن يشعروا بذلك.
وقوله: لا يَحْطِمَنَّكُمْ كما جاء في الكشاف: يحتمل أن يكون جوابا للأمر، أي ادخلوا لا يحطمنكم، مثل: اجتهد لا ترسب، وأن يكون نهيا بدلا من الأمر، أي في معنى: لا تكونوا حيث أنتم، فيحطمكم، على طريقة: لا أرينك هاهنا.
فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها، وَقالَ: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ، وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ، وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ أي فتبسم شارعا في الضحك بعد أن فهم قولها، تعجبا من تحذيرها، أو سرورا بما خصه الله به من فهم غرضها، وقال: ربّ ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي من تعليمي منطق الطير والحيوان وعلى والدي بالإسلام لك والإيمان بك، وأن أعمل عملا تحبه وترضاه قياما بواجب الشكر على النعمة، واجعلني إذا توفيتني في الجنة في زمرة الصالحين من الأنبياء والأولياء الصلحاء.
وإنما أدرج ذكر والديه لأن النعمة على الولد نعمة على الوالدين، خصوصا نعمة الدين، فإن الولد إذا كان تقيا نفعهما بدعائه وشفاعته، وبدعاء المؤمنين لهما كلما دعوا له.