وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ، قُلْ: هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
أي أتلك الآلهة العاجزة خير، أم الذي بقدرته وسلطانه يبدأ الخلق من غير مثال سبق، ثم يميته، ثم يعيده إلى الحياة الأولى مرة أخرى، كما قال تعالى: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج ٨٥/ ١٣] وقال: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم ٣٠/ ٢٧] وهو الذي يرزقكم بما ينزّل من السماء من أمطار، وبما ينبت من بركات الأرض.
أيوجد إله آخر فعل هذا مع الله حتى يتخذ شريكا له؟ قل لهم أيها الرسول: قدّموا برهانكم على صحة ما تدّعون من عبادة آلهة أخرى إن كنتم صادقين في ذلك مع أنفسكم ومع غيركم. والواقع أنه لا حجة لهم ولا برهان يقبله عاقل، كما قال تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ، فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ [المؤمنون ٢٣/ ١١٧].
قال أبو حيان: ناسب ختم كل استفهام بما تقدمه، فلما ذكر العالم العلوي والسفلي وما امتنّ به من إنزال المطر وإنبات الحدائق، ختمه بقوله: بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أي عن عبادته أو يعدلون به غيره مما هو مخلوق، فلا يعبد إلا موجد العالم، ولما ذكر جعل الأرض مستقرا وتفجير الأنهار وإرساء الجبال، وكان ذلك تنبيها على ضرورة تعقل ذلك والتفكر فيه، ختمه بقوله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. ولما ذكر إجابة دعاء المضطر وكشف السوء واستخلافهم في الأرض ختمه بقوله: قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ إشارة إلى توالي النسيان إذا صار في خير وزال اضطراره، ولما ذكر الهداية في الظلمات وإرسال الرياح مبشرات، ومعبوداتهم لا تهدي وهم يشركون بها، ختمه بقوله: تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. واعتقب كل واحدة من هذه الجمل قوله: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو تعالى «١».