يَسْبِقُونا
يفوتونا فلا ننتقم منهم، أي الفوت عن الجزاء على مساويهم ساءَ بئس الحكم هذا ما يَحْكُمُونَ الذي يحكمونه، أي قبح حكمهم أنهم يهربون منا. مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ أي يأمل ويطمع في لقائه وثوابه وجزائه في الجنة، وقيل: يخاف لقاءه فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ أي فإن الوقت المحدد للقائه أو هو الموت لجاء لا محالة، فليستعد له وَهُوَ السَّمِيعُ لأقوال العباد الْعَلِيمُ بأفعالهم.
وَمَنْ جاهَدَ نفسه بالصبر على الطاعة والكف عن الشهوات، وبذل جهده في مقاومة الأعداء بالنفس أو المال فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ فإن منفعة جهاده له إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ عن الإنس والجن والملائكة، وعن عبادتهم، فلا حاجة به إلى طاعتهم، وإنما كلف عباده رحمة بهم ومراعاة لصلاحهم لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ بعمل الصالحات فيسقط عقابها بثواب الحسنات وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ وهو الصالحات، وأَحْسَنَ إما بمعناه أو بمعنى حسن، وهو منصوب بنزع الخافض: الباء، والمعنى لنجزينهم بأحسن جزاء لأعمالهم، وهو أن يجازي الحسنة الواحدة بالعشر وزيادة.
سبب النزول:
روي أنها نزلت في ناس من الصحابة جزعوا من أذى المشركين، وقيل: في عمار، وقد عذب في الله، أخرج ابن سعد عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال:
نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله: أَحَسِبَ النَّاسُ الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي في قوله: الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا الآية قال: أنزلت في أناس كانوا بمكة، وقد أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المدينة أنه لا يقبل منكم حتى تهاجروا، فخرجوا عامدين إلى المدينة، فتبعهم المشركون، فردوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم أنه قد نزل فيكم كذا وكذا، فقالوا: نخرج، فإن اتّبعنا أحد قاتلناه، فخرجوا فأتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل، ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا، ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل ١٦/ ١١٠].