وفي أول سورة الأحزاب: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وفي أول سورة التحريم: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ.
والسبب في بدء هذه السورة بهذه الحروف، وليس فيها الابتداء بالقرآن أو الكتاب هو الإشارة إلى مبدأ التكليف، وجميع التكاليف فيها ثقل على النفس، فبدئ بحروف التنبيه للفت النظر إلى خطورة ما يلقى بعدها.
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا: آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ أي أظن الناس بعد خلقهم أن يتركوا بغير اختبار بمجرد قولهم: آمنا بالله ورسله، وهم لا يمتحنون بمشاق التكاليف كالهجرة والجهاد في سبيل الله، ومقاومة الشهوات، ووظائف الطاعات والفرائض المالية والبدنية من صلاة وصيام وحج وزكاة ونحوها، والتعرض للمصائب في الأنفس والأموال والثمرات، ليتميز المؤمن المخلص من المنافق، والراسخ في الدين من المضطرب فيه، ونجازي كل واحد بحسب عمله.
وهذا استفهام إنكار، معناه أن الله تعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان، كما
جاء في الحديث الصحيح: «أشدّ الناس بلاء:
الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة، زيد له في البلاء»
.
ونظير هذه الآية قوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ، وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران ٣/ ١٤٢] وقوله سبحانه: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ، وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ: مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة ٢/ ٢١٤].
وقد بينت أن هذه الآية نزلت في بعض المؤمنين في مكة، الذين كان كفار


الصفحة التالية
Icon