الهلاك، قال مجاهد: كل نبي أبو أمته. ثم أردف ذلك بعلو منزلته وسمو مهمته وهو تبليغ دعوة الله، وفاء بالميثاق (العهد المؤكد) الذي أخذه الله عليه وعلى سائر الأنبياء من قبله.
التفسير والبيان:
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أي إن النبي محمدا صلّى الله عليه وسلّم أرأف بجماعة المؤمنين من أمته وأعطف عليهم من أنفسهم إذ هو يدعوهم إلى النجاة، وأنفسهم تدعوهم إلى الهلاك، كما
قال صلّى الله عليه وسلّم: «أنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها تقّحم الفراش» «١»
ولأنه ينزّل لهم منزلة الأب، فالنفس قد تأمر بالسوء، وأما محمد صلّى الله عليه وسلّم فهو لا يأمر إلا بالخير ولا ينطق إلا بالوحي.
فإذا كان زيد يعتز بدعوته لمحمد صلّى الله عليه وسلّم لأنها تكسبه جاها كبيرا في الدنيا والآخرة، فإن المؤمنين أصبحوا جميعا يعتزون بأبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم العامة لهم، وقد نزلت الآية تسلية لزيد، وبيانا للانتقال من الأبوة الخاصة لزيد إلى الأبوة العامة، والرأفة الشاملة التي تعم المسلمين جميعا، لا فرق فيها بين الابن الصلبي وغيره فهو يرعاهم حق الرعاية ويهديهم الطريق المستقيم.
وجعلت الولاية مطلقة لتشمل جميع الأمور الدينية والدنيوية.
وما دام محمد صلّى الله عليه وسلّم أولى من النفس، فهو أولى من جميع الناس بطريق الأولى، وحكمه مقدّم على اختيارهم لأنفسهم، ومحبته مقدمة أيضا على حب النفس التي بين الجنبين، كما قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء ٤/ ٦٥].
نص الحديث في صحيح مسلم عن أبي هريرة: «إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، وأنا أخذ بحجزكم وأنتم تقحّمون فيه».
قال العلماء:
الحجزة للسراويل، والمعقد للإزار.