فلما رأى المشركون وأحزابهم الخندق قالوا: والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، فوقعت مصادمات، وحاول بعض المشركين اقتحام الخندق، فرمي بالحجارة، واقتحمه بعضهم بفرسه فهلك أو قتل، منهم الفارس المشهور عمرو بن ودّ العامري الذي تبارز مع علي رضي الله عنه، فقتله، وفرّ صاحباه عكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب، ومن فوارسهم نوفل بن مغيرة. واستشهد سعد بن معاذ رضي الله عنه في غزوة بني قريظة.
ثم وقعت مكيدة محكمة بين الأحزاب، فبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في خوف وشدة، إذ جاءه نعيم بن مسعود الغطفاني، فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إنما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة».
فأتى بني قريظة، وقال لهم: لا تحاربوا مع قريش وغطفان إلا إذا أخذتم منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم تقيّة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا لأنهم رجعوا وسئموا حربه، وإنكم وحدكم لا تقدرون عليه، فقالوا له: لقد أشرت بالرأي.
ثم أتى قريشا وغطفان، فقال لهم: إن اليهود يريدون أن يأخذوا منكم رهنا يدفعونها لمحمد، فيضرب أعناقهم، ويتّحدون معه على قتالكم لأنهم ندموا على ما فعلوا من نقض العهد وتابوا.
ولما أراد أبو سفيان وقادة غطفان خوض معركة حاسمة مع المسلمين، تباطا اليهود، وطلبوا منهم رهائن من رجالهم، فامتنعوا وصدّقوا حديث نعيم بن مسعود، وتحقق اليهود من صدق حديث نعيم أيضا، فتخاذل اليهود والعرب، وتفرقت الكلمة.
ودب الضعف في الأحزاب، وزاد من قلقهم واضطرابهم أن أرسل الله عليهم