التفسير والبيان:
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ أي ومن آياته تعالى الدالة على عظمته وكمال قدرته على الخلق والإيجاد والإعدام والإفناء بدء خلق الإنسان، فخلق أباكم في الأصل من تراب، وجعل مصدر غذائكم من لحوم الحيوان والنبات من التراب، ثم بعد إنشائكم تعمرون الأرض وتتوزعون فيها لأغراض مختلفة من بناء المدائن والحصون، وزراعة الحقول، والاتّجار بالسفر في البلاد المختلفة لتحصيل الأرزاق، وكسب المعايش، وجمع الأموال، مع اختلاف المواهب والعقول والأفكار، والغنى والفقر، والسعادة والتعاسة.
روى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود، وبين ذلك، والخبيث والطيب، والسهل والحزن، وبين ذلك».
ثم ذكر الله تعالى طريق بقاء النوع الإنساني فقال:
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أي ومن آياته الدالة على قدرته ورحمته أن خلق النساء لكم من جنس الرجال، وجعل بدء خلق المرأة من جسد الرجل، ليتحقق الوفاق ويكتمل الأنس، وجعل بين الجنسين المودة أي المحبة، والرحمة أي الشفقة ليتعاون الجنسان على أعباء الحياة، وتدوم الأسرة على أقوى أساس وأتم نظام، ويتم السكن والاطمئنان والراحة والهدوء، فإن الرجل يمسك المرأة ويتعلق بها إما لمحبته لها، أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما وغير ذلك.
إن في ذلك الخلق والإيجاد الأصلي من التراب، وجعل الأزواج من أنفس