التفسير والبيان:
وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ أي ولا تحاججوا، ولا تناقشوا اليهود والنصارى إلا بالطريقة الحسنة وبالأسلوب الهادئ اللطيف، إلا الذين ظلموا أنفسهم، وحادوا عن سبيل الحق، وعموا عن واضح الحجة، وعاندوا وكابروا، ولم ينفع معهم أسلوب المنطق والإقناع العقلي، فهؤلاء يعاملون بالمثل، ويرد على عدوانهم ومكابرتهم بطريقتهم نفسها، فيقاتلون ويردعون بالحرب، وهؤلاء- كما قال مجاهد وسعيد بن جبير- هم الذين نصبوا للمؤمنين الحرب، فجدالهم بالسيف حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية. وهذا هو العلاج الحاسم كما قال الشاعر:

ووضع الندى في موضع السيف للعلا مضرّ كوضع السيف في موضع الندى
أما القسم الأول من الآية، فقال قتادة وآخرون: هذه الآية منسوخة بآية السيف ولم يبق معهم مجادلة، وإنما هو الإسلام أو الجزية أو السيف. واحتجوا بأن الآية مكية. والحق كما قال مجاهد وآخرون أن هذه الآية باقية محكمة لمن أراد الاستبصار منهم- من أهل الكتاب- في الدين، فيجادل بالتي هي أحسن، ويدعى إلى الله عز وجل وحده لا شريك له، وينبه على حججه وآياته، رجاء إجابته إلى الإيمان، بغير إغلاظ ولا مخاشنة، كما قال تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. [النحل ١٦/ ١٢٥] وقال تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه ٢٠/ ٤٤]. واختار هذا القول ابن جرير الطبري.
وأما القسم الثاني من الآية فلا خوف في محاربته لعدوانه، فيقاتل بما يمنعه ويردعه، قال الله عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ، وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ، وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد: ٥٧/ ٢٥].


الصفحة التالية
Icon