قال أبو ميسرة في تفسير التأويب: هو التسبيح بلغة الحبشة، ومعنى تسبيح الجبال: هو أن الله تعالى خلق فيها تسبيحا كما خلق الكلام في الشجرة، فيسمع منها ما يسمع من المسبّح، معجزة لداود عليه السلام.
وقيل: المعنى: سيري معه حيث شاء من التأويب الذي هو سير النهار أجمع، والنزول ليلا.
وقيل: المعنى تصرفي معه على ما يتصرف فيه داود بالنهار، فكان إذا قرأ الزبور صوّتت الجبال معه، وأصغت إليه الطير.
٢- ومن فضائل الله على داود ومعجزاته: إلانة الحديد بيده، حيث يصير كالعجين أو الشمع من غير نار ولا مطرقة.
قال القرطبي: في هذه الآية دليل على مشروعية تعلم أهل الفضل الصنائع، وأن التحرّف بها لا ينقص من مناصبهم، بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخلي عن الامتنان.
وفي الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن خير ما أكل المرء من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده».
٣- علّم الله تعالى داود عليه السلام صناعة الدروع السابغات، أي الكوامل التامات الواسعات، المحكمة الحلق المتناسبة فيما بينها، ليست بالصغيرة فلا تحقق الغرض منها وهو الدفاع، ولا بالكبيرة التي تثقل كاهل لابسها.
٤- لم يستثن الله نبيا ولا رسولا من إلزامه بالعمل الصالح، لذا أعقب بيان نعمه وأفضاله على داود بأمره مع أهله بصالح العمل وهو فعل الأوامر وترك النواهي، كما قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ ٣٤/ ١٣]. وعلل الترغيب بالعمل الصالح بأنه تعالى بصير بأعمال عباده وأقوالهم، لا يغيب عنه شيء، فيجازيهم عليها.